أضعف الإيمان (سورية بين الحرب والسياسة( داود الشريان
الحروب الأهلية، إذا امتدت، تصنع نهايات مغايرة لأهداف من بدأها أول مرة. الحرب في سورية ليست استثناء من هذه القاعدة. وإطالة أمدها لن تُحدث توازناً على الأرض. ستقلب كل التوازنات من أساسها. لهذا فإن رفض مبدأ الحل السياسي في سورية، من أجل إحداث توازنات سيكون مستحيلاً بعد كل هذا الزمن، وفي ظل حرب استنزاف تشارك فيها أطراف متصارعة. الكل في سورية يسعى إلى تحسين وضعه، لكنه لن ينجح. وسيلة الحسم، المتمثلة بتدخل غربي، لن تتحقق. النظام فَقَدَ السيطرة على أكثر من نصف مساحة سورية. وزيادة قتل المدنيين، واستخدام أسلحة محرّمة، لا يعنيان التفوُّق، ناهيك عن الانتصار. المعارضة توارى «جيشها الحر»، وتقاسمت تنظيمات مسلّحة دور المواجهة نيابة عنها، وهي انشغلت بتصفية بعضها بعضاً. البلد يعيش حال فوضى، وهذا يعني مزيداً من القتلى في صفوف المدنيين، واستمرار تدفُّق اللاجئين، وتفريغ سورية من أهلها .
تأخُّر الحل السياسي يعني عملياً إنهاك سورية الدولة، وتدمير بنيتها التحتية، وتهجير مواطنيها، والعبث بالتركيبة السكّانية في المناطق والمدن، وصولاً إلى خلق صراعات مذهبية وعِرقية داخلية، على غرار ما حدث في العراق. وفي ظل استمرار حرب مكاسرة الرغبات، فإن الوضع الذي تتجه إليه سورية، سيعزّز احتمالات نهاية الدولة العربية في سورية، وإلى الأبد.
سورية تختلف في شكل جذري عن العراق. العراق كان دولة العباسيين، وسورية صناعة أُموية عربية خالصة، وهي بتركيبتها الدينية والعِرقية، تستعصي على الهيمنة الإيرانية، ولو وقف العالم كله خلف المشروع الإيراني. لكن تواصل الحرب، سيدمِّر هذه الخاصّية التاريخية، ويهدم جدارها الأموي المتماسك الذي جعل دمشق تستعصي على الخصوم التاريخيين للدولة العربية، وإن حكموها بالبطش فترات من الزمن.
إن التمسُّك بالحرب في سورية، تحت هاجس الخوف من سيطرة إيران عليها، ينطوي على تهميش موقع سورية الجغرافي والسياسي والتاريخي، وهو موقف عاطفي يذكّرنا ببيت أبو فراس الحمداني، «أتَزْعُمُ، يا ضخمَ اللّغَادِيدِ، أنّنَا وَنحن أُسودُ الحرْبِ لا نَعرِفُ الحرْبَا»… فضلاً عن أن حصر القضيّة بين العرب وإيران، يفترض أن ما يجري معزول عن الصراع على سورية بين واشنطن وموسكو.
لا شك في أن فرض حلٍّ سياسي في سورية بات وشيكاً. ومن مصلحتنا أن نعاود النظر في سياستنا تجاه الأحداث، ونستبدل الخيار العسكري بالسياسة، والعقل البارد.
الأكيد أن الحرب تعزّز فرص تمكين القوة الإيرانية على الأرض السوريّة. إيران مثل إسرائيل تعيش بالحروب والأزمات. نحن لدينا قوة اقتصادية ضخمة، وعلينا تحريكها في موازاة مشروع سياسي للحل، لكي لا نخسر السياسة مثلما خسرنا الحرب.
(الحياة)