الملف النووي بين الثبات الإيراني ومناورات الغرب الاحتيالية. أمين محمد حطيط
بات واضحا من التسريبات أو من المواقف المعلنة حول الملف النووي الإيراني أن أمره حسم فيما خص الملف بذاته، والعالق فيه شيء من المرفقات والرغبات، ونذكر بان المشكلة الأساس التي اتخذها الغرب ذريعة لملاحقة إيران وتطويقها بسلسلة من العقوبات المتعددة العناوين والمصادر، إن المشكلة الأساس هي ما يدعيه من ” خشية من امتلاك إيران للقنبلة النووية أو لقدرات تصنيعها لحظة تشاء ” وهذا الأمر بات جليا لدى الطرف الدولي المفاوض لإيران في إطار 5+1 وبشكل أساس أميركا التي تحل محل الجميع في المفاوضات الأن .
ومع ذلك يؤخر التوقيع لأمرين : العقوبات المفروضة و المتخذة أداة ضغط على ايران للحصول منها على تنازلات أخرى في ملفات بعيدة عن الملف النووي ذاته و هي عقوبات فرضها مجلس الأمن و الاتحاد الأوربي و أميركا ذاتها بقوانين من الكونغرس أو قرارت من وزارة الخزانة ، و تريد دول الغرب إبقاءها نافذة طيلة الفترة التي تراها مناسبة (هي تحدد المهلة ) و أن تنظر في أمرها مستقبلا بشكل تدريجي قد يستغرق عشر سنوات و الثاني يتعلق بالسلوك النووي الإيراني المستقبلي لجهة طلب الغرب تجميد أي بحث أو تطوير للبحث النووي حتى في المجال السلمي لمدة عشر سنوات . فاذا فرضنا أن إيران وافقت على الطرح فما الذي تكون كسبته من التفاوض؟
في العام 2003 عندما حل الثلاثي الأوربي على طهران للبحث في ملفها النووي مستفيدا من متغيرات دولية متصلة بالانتشار العسكري الأطلسي في أفغانستان، وبالاحتلال الأميركي للعراق، وبعد نقاش مستفيض قبلت إدارة الرئيس محمد خاتمي الانضمام إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، والدخول في تفاوض مع الغرب حول ملفها وصولا إلى وضع اطر وصيغ تضمن عدم حصول إيران على السلاح النووي. فما الذي حصل بعد ذلك؟
ما إن انضمت ايران إلى المعاهدة و فتحت منشآتها للتفتيش ، حتى تصاعدت شهية الغرب للتدخل في الشأن خارج ما تنص عليه المعاهدة ثم رفع عصا العقوبات التي أدت و بشكل تصاعدي خلال السنوات العشر الماضية إلى الحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني دونما مبرر ثم احدث الغرب حول ايران جوا من التهديد بالحرب و التدمير و الاجتياح العسكري إن لم تستسلم للاوامره , لكن ايران صمدت و صبرت و تحملت و حولت التحدي و التهديد إلى فرصة بشكل يمكن الباحث الموضوعي أن يقول أن ايران انتصرت في المواجهة على اتجاهاتها الثلاثة : فهي تابعت التقدم في الملف النووي بثبات ، و طورت قدراتها العسكرية المتعددة الجوانب حتى امتلكت قوة ردعية جعلت من التهدد العسكري الذي يوجه اليها نوعا من المزاح أو الحمق ، و خاضت بنجاح معركة التصنيع للاكتفاء الذاتي و حققت عبرها الكثير من الإنجازات .
اذكر بهذا لألفت إلى خداع الغرب واعتماده سياسة “هذا لا يكفي” ولأقول إن إيران ليس لديها الآن ما تخشاها إذا لم توقع مع الغرب، كما أن إيران أن لم تحصل على موافقة غربية صادقة برفع كل العقوبات لا تكون حصلت على شيء، لان الخطر العسكري الذي كان يلوح به الغرب أصبح بعيدا حتى وغير منظور وقدرات إيران النووية باتت مؤكدة لا جدل حولها.
وفضلا عن ذلك فان صمود إيران مع محور المقاومة في مواجهة العدوان الذي يستهدف هذا المحور منذ أربع سنوات، وتطور الصمود إلى امتلاك القدرة على العمل الاستباقي بما يؤشر إلى إحداث متغيرات إقليمية مؤكدة لصالح هذا المحور في أكثر من ميدان في منطقة الشرق الأوسط، إن كل ذلك يجعل إيران في موقع قوة يحميها من خطر التراجع أو التنازل مهما كانت الضغوط.
لقد ادعى الغرب في تشرين الثاني\أكتوبر 2014 انه بحاجة لوقت ما لأجل تسويق الاتفاق لدى خصوم إيران وأعدائها في المنطقة ومساعدتهم على هضمه فحصل تمديد التفاوض، لكنه جاء الأن ليلعب لعبة توزيع الأدوار فيما خص العقوبات والمراقبة، لعبة لو نجحت تكون إيران أعطت الغرب ما يريد دون أن تحصل على شيء مهم سوى نجاح معنوي بإقرار دولي بحقها النووي وبشكل محدود مترافقا مع تنازل إيراني عن الحق بمتابعة البحث العلمي للتطوير الذي يقتضيه التقدم.
إن من الطبيعي أن ترفض إيران المناورات الغربية وقد كان السيد الخامنئي واضحا وقاطعا في ذلك. وهي مناورات الربع الساعة الأخير، وتتمسك برفع العقوبات كليا مهما كان مصدرها وأن ترفض التنازل عن حقها بالبحث والتطوير في المجال السلمي، من الطبيعي أن تفعل ذلك مستندة على حقائق ثلاث، قوتها الذاتية التي تمنع الحرب عليها، وقدرتها على التطوير العلمي النووي، وقدرات محور المقاومة وحجم فضائه الاستراتيجي الجديد الذي بات يشغل أكثر من نصف منطقة الشرق الأوسط
نقول ذلك مع يقيننا بان لاتفاق المذكور مرجح التوقيع لأنه بات مصلحة غربية أكثر مما هو مصلحة إيرانية وبشكل خاص أميركيا ولأوباما شخصيا، وإيران تعرف ذلك، لهذا تتقن التعامل مع تلك المناورات التي يحاول أصحابها الحصول على اقصى ما يمكن في الملف وخارجه، ولكننا نعتقد بان الفشل سيكون حليف الغرب في مناوراته. فإما أن يكون اتفاق متوازن يعيد لإيران حقوقها كاملة وهذا ما نرجحه، أو لا يكون اتفاق وهذا مستبعد إلى حد ما، وهنا يكون يعمل بسياسة الأمر الواقع التي برعت إيران في إعمالها، مستندة هذه المرة إلى متغيرات إقليمية ودولية تصب في صالحها، تقوم بذلك وهي واثقة أنها ستدخل هي والمنطقة في الحالتين في عهد جديد يناسبها ولا يخيفها.