النيروز والدين والمسجد ! ثريا عاصي
كمن الداعشيون للأكراد في مدينة الحسكة بمناسبة عيد النيروز، بواسطة سيارتين معبأتين بالمتفجرات، إشتعلتا وتطايرت الشظايا منهما وسط الجموع التي جاءت بأعداد كبيرة إلى ساحة الإحتفال . كان «الداعشيون» يعرفون أنه سيقام إحتفالان، لأن الأكراد كمثل غيرهم في الشرق أفرقاء، لذا أعد «الداعشيون» مركبتين ملغمتين !
ليست جريمة عادية تلك تقترفها جهة عن طريق تفجير ألغام وقذائف وسط حشد شعبي بمناسبة العيد ! لماذا إرتكب «الداعشيون» هذه الفعلة الشنعاء ؟ كان في ساحة العيد النيروز والناس. هل الغاية هي منع الإحتفال بعيد النيروز، وما يعنيه في المجال التراثي وأهميته في تغذية الذاكرة الجمعية بما هي رافد من روافد الشخصية الإجتماعية الضرورية واللازمة لتكوُّن الحس الوطني والحرص على البقاء والدفاع عن النفس . أم أن المستهدفين هم الناس في الحسكة ؟ ربما من أجل ترويعهم وإجلائهم عن ديارهم، أو استخدامهم أو استعبادهم؟ الفرق بين الإسلامي الشيشاني الذي يقاتل في صفوف «داعش» من جهة وبين الكردي، المسلم، الذي لا يقاتل في صفوف «داعش»، ويرغب في البقاء على أرضه، هو كمثل الفرق بين المستعمر الإسرائيلي وبين الفلسطيني الذي يريد الأول إقتلاعه من أرضه !
في السياق نفسه، وفي يوم الجمعة 20 آذار أيضا، هاجم «الداعشيون» المصلين في مساجد صنعاء، أثناء تأديتهم فريضة صلاة الجماعة فقتلوا عدداً كبيراً منهم . يحق لنا أن نسأل عن المقصود بهذا الفـُحش، الصلاة في المسجد أم المصلين ؟! من البديهي أننا حيال أعمال تتغطى بالدين، فما هو مقصود في اليمن هو إيران، مثلما أن الأخيرة هي المستهدفة أيضا في لبنان وفي سوريا، إستناداً إلى أن متطلبات الأمن القومي الإيراني متناقضة مع المشروع الإستعماري الإستيطاني الإسرائيلي . هذا يحملها على دعم السوريين واللبنانيين على أن يعترضوا المشروع المذكور. إن «داعش» أداة الإستعمار والرجعية العربية. دفن الأمن القومي العربي في كامب دافيد !
يحسن التذكير بالمناسبة أن حجة الذين شككوا بمصداقية الثورات وبالثورة السورية تحديداً أن الثورات لا تخرج من المساجد. أجاب كتاب ومفكري وسائل إعلام مجلس التعاون الخليجي أنه لم يبق في ظل الديكتاتورية فسحة للحرية إلا في المساجد. إذن خرجت الثورة «المحتالة» من المساجد ودخل الداعشيون إلى هذه الأخيرة ليغتالوا الشيخ محمد سعيد البوطي في دمشق والمصلين في صنعاء.
هنيئاً لكتاب ومفكري إعلام دول الخليج بعودة داعش إلى المساجد !
عندما كانت المثل العليا في مجالات التحرر الوطني والعدالة الإجتماعية تملأ العقول والساحات كان الدين يملأ القلوب والمساجد. كانت الأخيرة واحات أمان تصونها القدسية . كانت الديانة ديناً . ولكن أموال النفط إستطاعت بترشيد من المستعمرين قلب ميزان القوى . فهزمت وأحبطت وتلاشت الأحزاب والحركات الوطنية والعقائد. هكذا خلت الميادين للمستعمرين ولأتباعهم. حرفوا الكلام . صارت الديانة خدعة. إنتهكوا أماكن العبادة، هدموا الكنائس أدخلوا السلاح والمجرمين إلى المساجد واتخذوا منها متاريس للقناصة. حللوا قتل الناس في الطرقات بواسطة المركبات الملغمة واستخدموا المعاقين في نقل المتفجرات إلى داخل المساجد وإلى قلب التجمعات الشعبية في الأعياد. نحن في خطر الإنقراض بسبب أمراء النفط وفتاوى الدجالين ونار المستعمرين !
(الديار)