جدل سعودي حول سورية
غالب قنديل
يظهر من المقالات التي تنشرها صحافة العائلة السعودية المالكة ان العهد السعودي الجديد يعيش جدلا فعليا حول السياسة التي ينبغي سلوكها اتجاه الوضع السوري بعدما تصدرت المملكة حلف الحرب على الدولة الوطنية السورية وتورطت في دعم جماعات إرهابية تكفيرية من فصائل القاعدة واخواتها من أذرع التنظيم العالمي للأخوان المسلمين الذي لم تكتمل ملامح المصالحة بينه وبين الرياض على الرغم مما قيل ونشر بعد زيارة خليفة الأخوان وقائد داعش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان .
اولا يعبر فريق من الكتاب والمحللين ممن يديرون وسائل إعلام العائلة السعودية الرئيسية عن الخط الرسمي السعودي إلى حد بعيد وتتقارب الاستنتاجات في مقالاتهم الحافلة بالهجاء ضد الرئيس الدكتور بشار الأسد والدولة الوطنية السورية والناضحة بالتبرم من بوادر التكيف الأميركي مع الفشل في إسقاط هذه الدولة او النيل من رئيسها وهي مشاعر يتشاطرها حكام المملكة مع جميع من راهنوا على إسقاط سورية وتدمير دولتها لنقلها من محور المقاومة إلى مخيم المصالحة والتحالف مع إسرائيل والرضوخ للغرب لكن الوصفة التي يتبناها هذا الفريق من الكتاب السعوديين ( بصفة التعبير عن الخط الراجح داخل الحكم) هي القيام بمحاولات جديدة لتعديل ميزان القوى على الأرض للتأثير في مضمون التسوية السياسية الممكنة ( مع الرئيس بشار الأسد او ما يسمونه النظام ) وعلى أرضية التسليم بسقوط وهم الإسقاط طبقا للتوجهات الأميركية ويقول هؤلاء إن الرهان على حل سياسي سراب بدون تعديل التوازنات وهو ما يكشف سعيا سعوديا مستمرا لتصعيد المعارك على الأرض عبر المزيد من إرساليات المال والسلاح والمسلحين إلى سورية وخصوصا عبر الحدود الأردنية حيث تمول المملكة معسكرات التدريب خطوط الدعم الأردنية بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي في إمداد مالي وتسليحي لعناصر جبهة النصرة وجماعات متطرفة وتكفيرية أخرى في محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق وصولا إلى أرياف حماه وحمص وإدلب فحلب وبالطبع يظهر دعاة التمادي في التورط تصميما على اعتماد يافطات ما يسمى بالجيش الحر عملا بتوصية اميركية تقضي بتعزيز ” الاعتدال ” الذي تفضح الرواية الواقعية للأحداث كونه منبع التطرف القاعدي والداعشي كمثل “الاعتدال” السعودي الوهابي الناشط منذ ثمانينات القرن الماضي بالشراكة مع الاستخبارات الأميركية لتوليد قوات احتياطية تحارب بالوكالة عن الغرب الاستعماري في دول العالم الإسلامي وخصوصا في البلاد العربية فقد انطلقت تلك الحكاية من أفغانستان ومن سورية ومصر والأردن وهي تمتد فصولا حتى اليوم .
ثانيا يبرز فريق آخر في التعامل السعودي مع الحرب على سورية يمثله كتاب يحذرون من مخاطر المضي بالتورط العسكري الذي يولد المزيد من الفوضى والخراب ويهدد هياكل الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها ويبني هؤلاء على دروس ما حل بالعراق بعد الاحتلال مشددين على حماية الدولة السورية وعدم تغذية التدمير والفوضى بأي ثمن كان واعتبار السعي إلى حل سياسي مخرجا طبيعيا من المأزق الراهن الناتج عن استعصاء التوازنات التي تحولت برأيهم إلى معادلة يستحيل معها انتصار أي من الأطراف المتقابلة ومع ازدياد مخاطر ارتداد الإرهاب نحو الخارج وهذه طريقة ملتوية للتقليل من وطأة واقع سيطرة الدولة الوطنية وقواتها المسلحة على اكثر من سبعين بالمئة من الأراضي السورية وانطلاق مقاومة شعبية سورية رديفة للقوات المسلحة وتبدل التوازنات مع تقدم المصالحات وتحولات الميدان السوري.
يتضح من مواقف الائتلاف المعارض الرافضة للحوار في موسكو والتي تجتر شروطا عفا عليها الزمن وباتت خارج التداول والمعقول بالنظر لتوازن القوى الفعلي أن الرأي الأول هو القرار السعودي الرسمي أي الرهان اليائس للمرة المليون خلال أربع سنوات على اختبار فرص مسلحي جماعات الإرهاب التكفيري المدعومة سعوديا في تعديل التوازنات وهذا ما تكشفه وقائع ضخ كميات جديدة من السلاح والأموال عبر تركيا والأردن والصدى الإعلامي الاحتفالي لعدد من العمليات التي نفذتها فصائل قاعدية في مناطق الجبهة الجنوبية وفي محافظات الوسط السورية .
ثالثا القرار السعودي الإجرائي يبدو محسوما لصالح المزيد من دعم الإرهاب والتورط في حلقات جديدة من خطة تدمير سورية بالشراكة مع إسرائيل وتركيا ويبدو في نظر المسؤولين السعوديين ان هذا التوجه أقل وطاة عليهم من التسليم بعقم الرهان على ربح الحرب ضد الدولة السورية ومن مباشرة التكيف مع واقعية خطاب جون كيري بجبرية التعامل مع الدولة الوطنية ورئيسها الدكتور بشار الأسد ، فهذا الخيار سيقتضي اكلافا على المملكة تحملها في طريق الرجوع عن العدوان وتفكيك منصاته السياسية والأمنية والعسكرية وتحمل اعباء تعويضات نهاية الخدمة للواجهات السياسية ومرتزقتها ولعصابات الإرهاب وتشكيلاتها الذاهبة نحو الضمور.
لكن بالمقابل إن مواصلة دعم عصابات التكفير التي تتراجع سطوتها في ميادين العراق وسورية ولبنان وتتزايد احتمالات انهزامها الكبير في بلاد الشام ستضاعف من مخاطر ارتداد الإرهاب التكفيري إلى داخل المملكة لملاقاة جناح بارز من المؤسسة الوهابية يتحفز لعناق داعش وتلبية بيعة البغدادي او الظواهري بدلا من منظومة ” خادم الحرمين ” وهو ما سيدخل شبه الجزيرة العربية في عهود من الفوضى والاضطراب لا تقل عما ساهمت المملكة في التسبب به خارج حدودها وفي عمق الدول الشقيقة المضطربة وخصوصا داخل الجمهورية العربية السورية.
الأمر الذي لاشك فيه ان المملكة السعودية تهدر وقتا ثمينا في التأرجح بين الخيارين فانتصار الرئيس بشار الأسد قادم لا محالة لأن الشعب العربي السوري حسم امره وهو يظهر المزيد من الالتفاف حول الزعامة التي تمثل في نظر السوريين رمزعزتهم وكرامتهم ووحدتهم الوطنية وأيا كان قرار الرياض فتلك النتيجة آتية وبوادرها تتزايد احتشادا في الميدان أما النتائج التي ترتبها الهزيمة السعودية امام الرئيس الأسد فيمكن تقليلها بالاستدارة اليوم قبل الغد نحو الاعتراف بالحقائق للحد من النتائج السلبية المقبلة وما اكثرها .