مقالات مختارة

أعطوا النووي… وخذوا الأسد: تسفي بارئيل

 

لولا الانتخابات، وتحديدا نتائجها، لكانت الانباء عن شطب الولايات المتحدة لحماس وحزب الله من قوائم الإرهاب قد اثارت بالتأكيد عاصفة شديدة. لا يكفي تسرع الولايات المتحدة من اجل الالتزام بتاريخ توقيع اتفاق المبادئ حول النووي، والان هي تمنح إيران وحزب الله شهادة تأهيل في تقرير المخابرات القومية السنوي (NIA) والذي وقع عليه مديرها، جيمس كلافر. ذلك على الرغم من انها ليس تقديرات المخابرات لوحدها، وأيضا ففي تقرير وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغرون» فإن إيران وحزب الله يظهران كتحديات، ولكن من غير الممكن ان لا يتم الاخذ بالاعتبار حقيقة تقديرات الـ (NIA) بشكل خاص في اعقاب تصريحات كلافر العلنية عن قدرة إيران على تطوير قنبلة نووية.

التفسير لهذا التغيير يكمن في التقرير نفسه، الذي يمتدح إيران على مشاركتها في الحرب ضد منظمات الإرهاب السنية، اي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومساعدتها للدول التي تحارب من اجل وقف انتشار التنظيم، مثل العراق. فيما يتعلق بإيران، الرؤية الأمريكية تفرق بين الحرب على الإرهاب وبين المسألة النووية وبذلك فهي تلغي احدى الركائز التي تعلق عليها اسرائيل مسعى اقناعها ضد طهران. كما انه لا يعني الولايات المتحدة كثيرا اذا كانت إيران تزود العراق بصواريخ متطورة من طراز فجر ـ 5 وفاتح ـ 110، من اجل المساعدة في معركة احتلال مدينة تكريت. حيث ردت الخارجية الأمريكية في واشنطن على ذلك بالقول» اننا نتابع عملية تزويد إيران للعراق بالاسلحة».

«نتابع» هو مصطلح مرادف لـ «نعرف وموافقون». فواشنطن تعرف ان إيران ليس فقط تزود العراق بالصواريخ، بل بالتدريب، التسليح، التمويل، بالقيادة وشبكات الاتصال للجيش العراقي والميليشيات الشيعية التي تعمل تحت امرة الإيرانيين. وحتى بدون اتفاق مكتوب فإن إيران هي جزء ناشط وغير منفصل عن التحالف الدولي الذي اسسه الرئيس اوباما. فهي تقصف من الجو اهدافا لداعش في العراق بعلم من قوات التحالف ويبدو ان هناك تنسيق شامل بين الطرفين. عن طريق العراق، بين القوات الغربية وبين الإيرانية من اجل منع صدامات قتالية في سماء العراق. التعاون غير المباشر هذا هو ليس المحرم الوحيد الذي تم كسره في السنة الماضية، التي تدار فيها المفاوضات حول النووي الإيراني بموازاة التوسع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.

وجود حوار مباشر بين مندوبين إيرانيين وأمريكيين كتلك التي يجريها في سويسرة وزيري الخارجية كيري وظريف، هي امر مسلم به. كما انه لم تكن هناك قطيعة تامة بين البلدين على مدى اكثر من 35 عاما. وعلى مدار عام ونصف لم يسمع في إيران تعبير «الشيطان الاكبر»، وفي المقابل فقد اظهر استطلاع جديد ان حوالي 68 بالمئة من الأمريكيين ـ ديموقراطيون وجمهوريون بنسب متشابهة ـ يدعمون المفاوضات المباشرة حول النووي.

الشرعية التي تتمتع بها المفاوضات حول النووي هي جزء من عملية هامة تسمى في عالم الدبلوماسية العامة «كسب القلوب». في هذه العملية فإن كل جانب يدير المفاوضات ليس فقط مع خصمه بل ايضا مع مواطني بلده استعدادا لتسويق الاتفاقات المهمة او الحروب، فتفوهات صالحي التي قال بموجبها ان «90 بالمئة من المشاكل الفنية تم الاتفاق عليها وانه تبقى موضوع هام واحد فقط»، لها تأثير مشجع ايضا على مندوبي الدول الكبرى وعلى ذلك رغم وجود الفجوات، لا احد يتحدث عن كسر للقواعد او العودة للبيت، وبذلك، فإن هذه المفاوضات ليس فقط تحظى بالشرعية، بل ان إيران تحظى بمكانة مختلفة من تلك التي كانت فيها فقط قبل سنتين. فهي لم تعد بحاجة لان تثبت اكثر برغبتها الجدية بالتوصل إلى اتفاق وهي تحسب جانبا متساويا مع الطرف الاخر المفاوض. والاهم من ذلك، فإن إيران بدأ النظر اليها كدولة جذابة تنظر بذات المستوى مع الدول الغربية إلى تهديد داعش.

في هذا الاسبوع الحافل الذي جرت فيه الجولة السادسة من المفاوضات بين إيران وبين الدول العظمى، حظيت إيران بـ «تحلاية» إضافية من جانب الولايات المتحدة. ففي مقابلة مع شبكة (CBS) تم بثها يوم الاحد قال وزير الخارجية كيري انه في نهاية المطاف سوف تكون هناك حاجة للتفاوض مع الرئيس السوري، بشار الاسد، حول الحل السياسي في بلده. الا ان وزارة الخارجية سارعت لتوضيح ان كيري قصد بذلك انه سيكون هناك ضرورة لادارة مفاوضات مع ممثلين من نظام الاسد وان الاسد لن يكون شريكا مباشرا في هذه النقاشات. الا ان اقوال كيري تم تفسيرها كتشجيع لإيران من اجل اتخاذ قرارات حول المسألة النووية.

رسميا، فإن واشنطن ما زالت متمسكة بالموقف الداعي إلى ضرورة إزاحة الاسد كشرط من اجل التوصل إلى حل في سوريا، ولكن قبل اسبوع من الان اقترح السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، من معارضي الاسد الشديدين، انه على الولايات المتحدة التنازل عن مطلب اقصاء الاسد كشرط مسبق للمفاضات. فهل مقال فورد في مجلة «فورين بوليسي» يعبر عن رؤية جديدة للادارة الأمريكية او على الاقل عن روح جديدة تهب في مجلس الامن الدولي؟.

اوضح دبلوماسي أمريكي لـ «هآرتس» ان الادارة الأمريكية لم تقتنع بعد ان الاتصالات مع الاسد ستساعد في الحرب ضد داعش ولكنه اكد ان «هذه الفكرة ليست مستبعدة».من القلق من تصريحات كيري هي تركيا. فقد رد رئيس الحكومة التركية احمد داوود اوغلو على اقوال كيري وقال ان المفاوضات مع اسد «مثلها مثل مصافحة هتلر او صدام حسين».

في التركيبة السياسية المعقدة، المطلوب من الولايات المتحدة ان توازن بين مواقف العربية السعودية وبين مواقف إيران، بين إعطاء الاولوية للحرب ضد داعش مع تنازلات لسوريا (وكذلك لإيران) وبين التوجه لتسوية شاملة حول النووي الإيراني، واستبعاد موقف اسرائيل. نتائج الانتخابات الاسرائيلية ترسي مرساة المواجهة بينها وبين الادراة الأمريكية. التوضيح الأمريكي الذي جاء فيه ان اوباما لن يكون مساهما اكثر في العملية السلمية الا اذا كان هناك حاجة لذلك، يدلل ليس فقط على الاحباط وغياب الامل من وقوع المعجزة في الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية، بل هي تعبر عن إمكانية الابتعاد ايضا في الموضوع الإيراني. يبدو ان الولايات المتحدة تنازلت ليس فقط عن التنسيق الوثيق مع اسرائيل حول النووي، كما فعلت مؤخرا، بل ايضا تجاهلت التفاهمات التي تمت صياغتها بشكل غير رسمي حول الخطوط الحمراء استعدادا للاتفاق النووي.

في نفس الوقت، الشرخ بين القدس وواشنطن يعزز رؤية إيران ان الخيار العسكري ضدها لم يعد مطروحا على المائدة، على افتراض ان اسرائيل لن تعمل لوحدها. حجارة المنجنيق التي القاها نتنياهو على الاتصالات مع إيران من شأنها الان ان تنزلق على جدران مغلقة في واشنطن وان تثير ابتسامة في إيران.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى