الحفاظ على «النصرة»… أو «القاعدة»؟ عامر نعيم الياس
منذ أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، اعتبرت واشنطن تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن عدوّها الكوني الأوّل. حشدت الموارد وسنّت القوانين والاستراتيجيات لقتال هذا التنظيم. لكن مع مرور السنوات وعودة الإدارة الأميركية في عهد أوباما إلى أرض المنطقة بعد تعهدات فارغة بالانسحاب من مناطق النزاع، بدايةً من أفغانستان وليس انتهاءً بالعراق، كان لا بدّ من العمل على تظهير عدوّ جديد يعيد ضخّ دماء جديدة في الحرب على «الإرهاب» وفق المصطلح الأميركي الدوليّ. وهذا ما تجلّى في حربٍ على تنظيم «داعش»، تشمل إلى جانبه منظمات إسلامية متطرّفة أخرى، يتم تعويم خطرها عند الحاجة كما جرى في سورية مع جماعة «خراسان» التي ظهرت إعلامياً لشهرين وقضي عليها أيضاً في غضون أيام قليلة بتقارير نشرتها وسائل الإعلام الأميركية عن استهداف «طائرات التحالف» مواقع التنظيم المرتبط بـ«القاعدة» في سورية.
في خضمّ ذلك، جرى تحييد الانتباه عن «جبهة النصرة» التي تمدّدت في غير اتجاه. وتركزت ضربات التحالف على «داعش» دون غيره، مع بعض الغارات الموضعية على أماكن تمركز «النصرة»، من دون أن يكون للغارات أيّ تأثير على التنظيم المرتبط بـ«القاعدة» الذي أسقط أهم ورقتَي «اعتدال» تملكهما إدارة أوباما في سورية، بدايةً بـ«جبهة ثوار سورية»، وليس انتهاءً بـ«حركة حزم» التي تملك صواريخ «تاو» الأميركية المضادة للدبابات. وعندئذ، وفي هذا التوقيت بالذات، بدأ الحديث عن فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة» وفقاً لمقترح قطريّ باء بالفشل بعد رفض «النصرة» له، لكن من دون أن يلقي ذلك بظلاله على الدعم القطري للتنظيم المرتبط بـ«القاعدة»، والذي يتمدد في شمال سورية، خصوصاً في محافظة إدلب، في محاولة لرسم حدود إمارة مستقبلية تضمن له دوراً في سورية وفق منظور تحالف أوباما، وهو أمر يطرح بدوره عدداً من التساؤلات حول الصمت الرسمي الأميركي في مواجهة «النصرة»؟
الانقسام الأميركي حول الحرب على سورية لا يشمل فقط جانب التعامل مع الدولة السورية، لكنه يتعدى ذلك إلى تفاصيل الاستراتيجية برمتها، وطريقة إدارة أوباما الحرب في سورية وعلاقات بلاده مع الحلفاء المنخرطين في لعبة الحرب السورية، وبالتالي أدواتهم في سورية. وفي هذا السياق، يبرز موقف السفير الأميركي الأسبق في سورية روبرت فورد من «جبهة النصرة» عندما أوصى بضرورة «قطع العلاقات معها» من جانب المعارضة المرتبطة بالاستخبارات الغربية، ليعكس وجود تيارٍ يدفع باتجاه توسيع مروحة الحرب الأميركية في سورية لتضع «النصرة» على قدم المساواة مع «داعش» بعد رفض الجولاني فكّ ارتباطه بـ«القاعدة». توجّهٌ يكتسب قوّته من فعل «القاعدة» في العقل الجمعي الأميركي، أي استمرار الحرب على تنظيم «القاعدة» باعتباره العدو رقم واحد للولايات المتحدة، والتنظيم الأمّ الذي ابثقت عنه كافة التنظيمات المتطرّفة الأخرى ومنها تنظيم «داعش».
التيار الآخر والذي يبدو أكثر قرباً إلى أنقرة وباريس والدوحة، يدعو إلى قبول تنظيم «القاعدة» في المدى المنظور، والحفاظ على هذا التنظيم الذي صار أقل استهدافاً وتهديداً للغرب بعد مقتل أسامة بن لادن، وترؤس أيمن الظواهري للتنظيم، إذ «قلّصت فروع تنظيم القاعدة من نشاطها إلى حدٍّ كبير لتستهدف العدو القريب في مناطق مسؤوليتها». هنا يتم الغمز من قناة الحرب على «داعش» كأولوية، بإمكانية تسخير الخلاف بين الظواهري والبغدادي لتسعير الحرب بين التنظيمين المتطرفين بغية تحقيق هدف القضاء على «داعش»، وهو أمرٌ يستوجب بحسب الكاتب باراك ماندلسون في فصلية «فورين آفيرز»، الأميركية «الحفاظ على حياة أيمن الظواهري، لأنه وفي ظلّ غياب هذا القائد التاريخي عن المشهد ستنجرف القاعدة إلى معسكر داعش. إن مصلحة الولايات المتحدة تكمن في الحفاظ على سلامة المنظمة الإرهابية واقفة على قدميها والحفاظ على الظواهري على قيد الحياة».
بين تيارين، يحافظ باراك أوباما على مسافة تسمح له بمراقبة تغيّر موازين القوى على أرض المعركة في سورية والعراق بانتظار اتخاذه الخيار المناسب.
(البناء)