الاتهام لإيران والعين على فلسطين! محمد صادق الحسيني
يكذبون عندما يقولون إنهم يريدون حلاً لملفنا النووي، إنهم يريدون إخراج فلسطين من أجندتنا، وهذا ما لن يحصلوا عليه ولو فاوضونا ألف عام.
يكذبون على الشعب اليمني، وعلى الرأي العام العربي، عندما يقولون له إنّ اليمن وقعت في أيد غريبة تهدّد الأمن القومي العربي، إنهم يخافون أن يقع الدور عليهم.
يكذبون عندما يحشدون الرأي العام العربي ضدّ ما يسمّونه بالغزو الصفوي الفارسي للعراق، فهم يريدونه رهينة دواعشهم لسرقة قرار بغداد المستقل.
يكذبون عندما يكرّرون من دون كلل أو ملل «احتلال» إيران لسورية، فهم يريدون بذلك إخفاء عجزهم وفشلهم في النيل من إرادة السوريين وصمودهم الأسطوري في وجه غزوهم الوحشي.
يكذبون أكثر فأكثر كلما حاولوا النيل من المقاومة الإسلامية، واتهموها بالتبعية لإيران، لأنهم يحاولون عبثاً مسح عار تقديمهم الشاي للمحتلّ في مرجعيون.
وتكبر كذبتهم وتفضحهم أكثر فأكثر وتصوّرهم على حقيقتهم: «عراة كما قد خلقتم» عند الحديث عن العلاقة بين إيران وفلسطين.
صدّقوني لم يعد مهمّاً أن تسفر محادثات طهران مع الدول الكبرى عن اتفاق أو تباعد، فما أرادته طهران قد تحقق في النووي أو في غيره.
سأحدثكم عن حقيقة صادمة قد لا تتوقّعونها ولا يتوقعها حتى الديبلوماسيون الإيرانيون أو ساستهم الكبار. وستكون هي الكاشفة لما أريد قوله في هذه المقالة.
يتداول الشباب الإيراني العقائدي من الجيل الجديد نجوى يومية على سبيل النكتة في ما بينهم ظريفة للغاية: نرجوكم أعيدوا لنا ثورتنا الإسلامية التي صدّرتموها إلى الخارج.
أنتم تعرفون أنّ أحد شعارات الثورة الأولية بعد انتصارها قبل نحو ستة وثلاثين عاماً هو تصدير الثورة، فيما كان الشعار الآخر «اليوم إيران وغداً فلسطين».
ويومها كان الجدال قوياً حول مدى عملانية هذا الشعار، ومدى صدقية طرحه، لكن مرور الأيام أثبت ليس نجاعة ذلك الطرح فحسب، بل وبُعد نظر ما كان قد ذهب إليه ذلك الثائر الكبير حينما ربطه بشعار: اليوم إيران وغداً فلسطين.
وهذا هو بيت القصيد في كلّ ما يحصل اليوم في المنطقة، صدّقوا ذلك أو لا تصدّقوه، فالواقع أقوى من رؤيتكم أو رؤياكم الخارجية.
«الثورة الإسلامية» من حيث هي نهضة وتمرّد واحتجاج وإرادة حياة ودعوة إلى استعادة كرامة تمّ تصديرها إلى كلّ مكان ومن دون إرسال الجيوش.
وأهل طهران الحكم وساستها من سكان مطبخ صناعة القرار التنفيذي منقسمون اليوم بين مصدّق ومكذّب، والقيادة العليا تسعى جاهدة إلى إدارة سكان هذه السفينة بما يرضي جيل الشباب الصاعد المصدّق والمسرور بهذه النتيجة، وجيل الحرس القديم المتعب والمنهك من اللهاث وراء الحدث وهو غير مصدّق له.
من يُسمّون بـ«المستشارين» من الإيرانيين الذين يعملون بصمت في البراري والسهول والوديان وبين تضاريس الجبال على امتداد عواصم القرار من أجل الاستمرار في سير القافلة هم صناع هذه النتيجة والمتمسكون بها والفخورون بها، والذين لا يريدون التوقف حتى الصلاة في القدس محرِّرين.
وأما المتخندقون في الوظيفة والباحثون عن حلول لمشكلات البلاد الإيرانية في ردهات الوزارة أو الإمارة أو السفارة أو صالونات السياسة الدولية، فهم غير المصدّقين لما وقع وهم سبب بعض الجدب الحاصل لدى الشباب المطالبين بإعادة استيراد ما تمّ تصديره من ثورة من إيران إلى الخارج.
والأصوات التي تسمعونها بين الحين والآخر من داخل طهران حول «النفوذ الإيراني الإمبراطوري»، القديم منه أو الحديث، إنما هي نفس الأصوات التي غذّت ولا تزال فتنة عام 2009 بشعار: «لا غزة ولا لبنان روحي فدا إيران».
إنهم لم يفقهوا بعد أنّ ما حصل ويحصل في المنطقة إنما هو بفضل أهلها الذين ثاروا ونهضوا واحتجّوا وعملوا وقرّروا كما قرّرت إيران قبل ستة وثلاثين عاماً، أن يستقلوا عن حكم القناصل والسفارات ويبنوا بلدانهم بأيد وطنية محلية.
في المقابل، فإنّ الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية قرّرا شنّ هجمة وحشية شرسة على كلّ بلدان المنطقة وشعوبها، مستخدمين جيشاً من المرتزقة التكفيريين لوقف هذا التحوّل المتسارع في أفئدة وقلوب وعقول الجيل الصاعد من أمتنا.
وحتى تنجح خطة الثورة المضادّة هذه كان لا بدّ من استخدام الدين وسيلة أساسية ومركزية، وجيل كامل من الشباب كأداة أساسية ومركزية، فكانت «القاعدة» وأخواتها من «داعش» و«نصرة» ووو إلخ…
عود على بدء نقول إنهم أيّ الساسة الغربيون و«الإسرائيليون»، يكذبون عندما يهوّلون بالنووي الإيراني مرة، ثم يجلسون إلى طاولة مفاوضات بِاسم التوصل إلى اتفاق مع إيران مرة أخرى، وفي اللحظة الحرجة، أي لحظة الصفر، سيقولون: «وأين انتم من فلسطين؟ ولماذا لا تقدّمون التزامات بوقف دعمكم للفلسطينيين ولحركات التحرّر؟ ولماذا تضعون العصيّ في دواليب التسوية السلمية؟ – اقرأوها تصفية القضية المركزية -.
إنه الأمر نفسه أيضاً عندما يتعلق الأمر بالقوى الرجعية في المنطقة، وعلاقتها بشعوبها ونهضة هذه الشعوب ويقظتها، فهم لن يقبلوا من إيران إلا نظاماً قومياً محدوداً بحدوده الجغرافية القطرية المعروفة له، وأن لا تكون له أيّ علاقة من أيّ نوع كان بأيّ شكل من الأشكال لا بالقضية الفلسطينية ولا بقضية المقاومة للهيمنة الاستعمارية ووحدة الهدف الذي تتمتع به حركات التحرّر في المنطقة وثوراتها وهو التضامن والتعاضد من أجل استعادة فلسطين وتحريرها واستعادة حرية القرار واستقلاليته لكلّ عواصم المنطقة.
نستخلص من ذلك كله أنّ ثمة علاقة عضوية بين من يريد استرجاع ثورته المصدّرة في الداخل الإيراني وبين ثوار المنطقة الذين قرّروا إحداث النقلة النوعية في البلدان العربية، وهذا يخيف ويغيظ قوى الهيمنة العالمية وأتباعها من القوى الرجعية في المنطقة ويسمّونه تدخلاً أو احتلالاً.
تماماً كما أنّ ثمة علاقة عضوية بين من يراهن على الحدود القطرية الإيرانية وضرورة الفصل بين المسارات والرهان على عواصم الدول الكبرى، ويتشدّق في الوقت نفسه زوراً وبهتاناً بأنه «إمبراطور» المنطقة، مستفيداً من واقعة انتشار ظاهرة التعاضد الثوري بين الداخل الإيراني ومحيطه، وبين الذين يخيفون الرأي العام العربي من حكام وقوى رجعية «عربية» ويحذرونه من خطر التدخل الإيراني، وأحياناً حتى الاحتلال، فيما لا يرى كلاهما خطراً يداهم أمتنا من الهيمنة الأميركية وأذنابها الرجعيّين وربيبتها «إسرائيل» الشرّ المطلق، إلا ويمكن دفعه بالحوار والمفاوضات.
باختصار شديد: إنها اللعبة ذاتها والمخرج واحد.
في إيران يريدون لجم شبابها وقادتها من الاندفاع نحو فلسطين وأكنافها…
وفي العواصم العربية المشار إليها أعلاه يريدون منع تلاحمها مع إيران…
وفي فلسطين يريدون خنق ثورتها ومنع تواصل أيّ أحد معها، عرباً كان أم مسلمين…
والأدوات هي هي دوماً: السيف والزيف… أيّ الحرب الصهيونية المفتوحة… والحرب التكفيرية التي باتت هي الأخرى مفتوحة… ومحاولة تزييف الحقائق حول حقيقة الخطر الذي يواجه العرب والمسلمين هل هو «إسرائيل» أم إيران!؟.
فيما يحاولون لجم إيران وتكتيفها بتوافقات عنوانها نووي وأساسها وهدفها إلغائي فصلها وقطعها عن فلسطين.
هذا هو جوهر ما يجري فينا ومن حولنا، ومن لا يصدّق اليوم مجاناً سيدفع غداً ثمناً غالياً جداً لأجل ذلك والأيام بيننا.
(البناء)