مسؤول أميركي لـ«السفير»: اتفاق نووي أو حرب طاحنة في المنطقة وسيم ابراهيم
سببان كافيان للحديث مع دوغلاس فرانتز الآن: يعرف جيداً ملف إيران النووي، ولديه علاقة شخصية ومهنية مع جون كيري. يقول إنه لم يحتج سوى إلى «عشر ثوانٍ»، ليوافق على عرض وزير الخارجية الأميركي ليكون مساعده للشؤون العامة. فهو يعرف وزيره بشكل جيد، وكان عمل مساعداً له أيضاً حينما كان لا يزال سيناتوراً.
المفاوضات المتواصلة حول ملف إيران النووي مناسبة جيدة للحديث مع فرانتز. قبل كل شيء هو صحافي مخضرم، وخبير في هذا الملف الذي غطَّاه «بشكل مكثف»، كما يقول هو نفسه، كما أن البرنامج الإيراني كان محوراً مهماً في كتابين ألَّفهما بالاشتراك مع زوجته الصحافية كاثرين كولينز.
يعمل فرانتز منذ أيلول الماضي، مساعداً لكيري للشؤون العامة، وعمله هذا قاده إلى جولة أوروبية لتنسيق مواجهة الدعاية الروسية المؤثرة. انتهزنا الفرصة لاستيقافه، خلال مؤتمر أقامه في بروكسل، وسؤاله عن الوضع الجاري بالنسبة للمفاوضات النووية.
أبرز ما قاله إن البديل الوحيد عن إيجاد اتفاق هو حرب طاحنة في المنطقة. العامل الذي يمكنه عرقلة التفاوض الآن برأيه هو الإطار الزمني للاتفاق، أي عدد السنوات التي ستقبل خلالها إيران برقابة شاملة على كل جوانب برنامجها النووي. وفق كلامه، يبدو أن إيقاف إيران لتخصيب اليورانيوم بات خارج النقاش، وأن المسألة تتعلق الآن بمستوى التخصيب وآلية الرقابة عليه.
قبل العمل في منصبه هذا، كان فرانتز محرر الأمن القومي في صحيفة «واشنطن بوست»، وكان عمل لسنوات مع «نيويورك تايمز»، كما عُيِّن كبير المحققين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.
حينما سألته «السفير» عن السجال والهدف النهائي للمفاوضات النووية، وإن كان إبطاء برنامج إيران أم إيقافه، رد بالقول إن «الهدف هو ضمان أن إيران لن تحصل على سلاح نووي، هذه هي النتيجة النهائية، وليس ببساطة تجميد هذا البرنامج بل إيقافه».
يعرف فرانتز تفاصيل موضوع الحديث، ويذكر بأنه كان يكتب عنه منذ وصول أول مفتش للوكالة الدولية إلى إيران في العام 2003. لذلك يقر بأن إيران ببساطة لن تقبل بهذا الهدف الأخير ولا بد من حل وسط. يقول عن ذلك «ما نعرفه أنهم لن يقوموا بإيقاف البرنامج فقط لأننا نطلب منهم ذلك. نحن نحتاج إلى عمليات تفتيش يمكن التحقق منها، لكن أيضاً يجب أن نجعل ذلك مرضياً للإيرانيين».
عملية إرضاء الإيرانيين، كما يقول، ستشمل حزمة معقدة، لا تتضمن فقط قضية العقوبات. يشرح ذلك: «نحتاج إلى إعطائهم شيئاً هنا، نحتاج إلى السماح لهم، مع إيجاد كل الضمانات، بمواصلة تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، طالما يمكننا التأكد أنها لأغراض سلمية. هم لن يقبلوا عمليات التفتيش الشاملة هذه إلى الأبد، وأعتقد أن مطلباً من هذا النوع يمكنه أن يعرقل المفاوضات».
ليس خافياً أن الإطار الزمني للاتفاق النووي، إذا حصل، هو قضية جوهرية. صحيح أن فرانتز يقول، منذ البداية، إن «السرية» الكاملة تحكم المفاوضات النووية، وأنه لا يعرف تفاصيل التفاوض. لكن سبق أن قال ديبلوماسي أوروبي، مطلع على جو المفاوضات، لـ «السفير» إن الحد الأدنى للاتفاق هو «عشر سنوات»، ستوضع خلالها أنشطة إيران تحت رقابة صارمة، ومحرجة بطبيعة الحال، ستكون أشبه بحصار مطبق يفرضه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الرقابة إلى الأبد غير واردة إذاً، لذلك يحاول المفاوضون الغربيون تحقيق فترة «أمان» بين قرار إيران صناعة قنبلة نووية، وفق مخاوفهم، والإمكانية التقنية لإنجاز ذلك. يقول فرانتز إن مفاوضي الـ»5+1» برأيه «يريدون إيصال برنامج إيران إلى نقطة حيث يصبح بطيئاً بما يكفي، بحيث سيتطلب منها سنة بالحد الأدنى كي تطوّر المواد الانشطارية الكافية لصناعة قنبلة نووية واحدة»، قبل أن يستدرك بالقول «ربما تعتقد أننا هنا فقط نعلق المسألة، لكن خلال هذه السنة، نتيجة لعمليات التفتيش الشاملة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خلال هذه السنة سيكون لدينا الكثير من الخيارات الأخرى، وسنقوم باختبار هذه الخيارات إذا قامت إيران بكسر هذا الاتفاق المنظور».
يعرف فرانتز، قبل كل شيء، أي أسرار حصلت عليها إيران وطورتها. فمن بين عشر كتب أصدرها، وشارك في إصدارها، نشر خلال السنوات الماضية كتابين مع زوجته الصحافية كاثرين كولينز حول المسألة النووية، وتحديداً تهريب أسرارها. نشر كتاب «الجهاد النووي»، ليروي قصة عبد القدير خان، الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني، والذي أقر بتسريب أسرار نووية لكل من إيران وكوريا الشمالية وليبيا. أنجز كتابه هذا عبر بحث استقصائي وأحاديث لمسؤولين أوروبيين وأميركيين على صلة بالقضية، ليتبعه بعد سنوات نشر كتاب آخر، مع كولينز أيضاً، حول إخفاق وكالة «سي آي إيه» في منع خان من بيع تلك الأسرار.
لمعرفته بكل تلك القضايا، بما فيها خفايا السياسة الخارجية من موقعه السابق أيضاً في مجلس الشيوخ، ينتقد فرانتز من ينتقدون اتفاقاً لم يحصل بعد. خلال تعقيبه على تلك «النقاط» التي أثارتها «السفير»، يقول: «أسأل هؤلاء المنتقدين ما هو البديل؟ البديل هو الذهاب إلى الحرب. البديل هو حرب أخرى في الشرق الأوسط، مع خصم قوي»، قبل أن يضيف «البديل هو سيئ للناس في لبنان، وفي إسرائيل، وفي العالم كله، لأنها ستكون حرباً وحشية وصعبة، والجزء الأسوأ منها أنها ستكون حرباً غير متماثلة»، مشيراً هنا إلى مصطلح الحرب بين خصوم غير متكافئين في القوى العسكرية، ما يؤدي إلى استخدام أدوات أخرى لموازنة القوى، مثل الحرب بالوكالة وما شابه.
لو لم تكن هنالك مؤشرات صلبة أخرى، لأمكن الافتراض أن الرجل يهوّل لحشد التأييد لوزيره. لكن المعروف أن شهية إسرائيل لم تنقطع وهي تروِّج لخيار ضربات عسكرية ضد إيران، وبات معروفاً أن إدراة أوباما حاججت دائماً ضد هذا الخيار. لا مصلحة لواشنطن كما بات جلياً، وما يعرفه الجميع أن ذلك يمكنه إشعال حرب تقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب، طبعاً من دون الحاجة لإعمال الخيال بعدما جعلت طهران من الواضح بأن ردها سيكون صارماً.
تجنب هذا البديل، كما يقول المسؤول الأميركي، يستحق بذل كل ما يمكن للتوصل إلى اتفاق يجب الحكم عليه بعد أن يظهر للعلن وليس قبل ذلك. يقول مدافعاً عن خيار الادارة الأميركية إن «كيري خصص جهوداً هائلة، وكذلك المفاوضون الآخرون، ومصادر هائلة، ومصداقية هائلة، لمحاولة إيجاد اتفاق جيد. لسنا يائسين من إيجاد هذا الاتفاق، ولسنا مصرِّين على القبول بأي اتفاق»، مستدركاً أن «هذا الاتفاق سوف يأتي في نهاية المطاف، كما آمل، والمعايير سيتم الإعلان عنها، إذا تم التوصل لاتفاق، وحينها سيكون لدينا الوقت للنقاش إن كان جيداً أم لا».
(السفير)