العقوبات على فنـزويلا: عدم الاتّعاظ بعبر التاريخ حميدي العبدالله
اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما سلسلة من العقوبات ضدّ فنـزويلا. وتعيد سلة العقوبات ضدّ كاركاس إلى الأذهان العقوبات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضدّ نظام الرئيس الكوبي فيديل كاسترو. لكن تلك العقوبات برّرتها واشنطن والإدارات المتعاقبة، بأنها جاءت في سياق احتواء المدّ الشيوعي، والردّ على نظام ديكتاتوري يتبنّى نظرية الحزب الواحد.
معروف أنه في فنـزويلا ليس هناك نظام شيوعي، وإنْ كان النظام الحالي يتبنّى نظرية العدالة الاجتماعية، ولكن إجراءاته على هذا الصعيد لا تختلف عن تلك المعتمدة في البرازيل في ظلّ حكم حزب العمال الذي تزعّمه الرئيس السابق «لولا» والرئيسة الحالية للبرازيل روسيف، كما أنه لا وجود لنظام ديكتاتوري في فنـزويلا، والحزب أو التحالف الحاكم جاء إلى سدة المسؤولية عن طريق انتخابات برلمانية نزيهة لا يمكن الطعن في شرعيتها من أيّ جهة كانت، ومع ذلك لم تسلم فنـزويلا من العقوبات الأميركية، الأمر الذي يؤكد أنّ هذه العقوبات، سواء ضدّ فنـزويلا أو ضدّ كوبا سابقاً، أو ضدّ سورية وإيران وكوريا الشمالية، تستهدف استقلالية القرار الوطني لهذه الدول وليس أيّ أمر آخر، والدليل على ذلك ليس فقط أنّ العقوبات الجديدة ضدّ فنزويلا تستهدف نظاماً ديمقراطياً وحكومة منتخبة من الشعب، بل وأساساً لأنّ الولايات المتحدة تقيم علاقات وطيدة على امتداد عقود طويلة مع أكثر الأنظمة ديكتاتورية وتخلفاَ مثل النظام السعودي.
لكن هل تقود هذه العقوبات إلى تحقيق ما تصبو إليه الولايات المتحدة، أي إضعاف النظام الفنـزويلي وتقديم الدعم الفعال للمعارضة المرتبطة بالغرب، وتحديداً بالولايات المتحدة؟
الجواب على هذا السؤال تحمله تجارب الولايات المتحدة ذاتها على هذا الصعيد. فالولايات المتحدة فرضت عقوبات على كويا على فترات متتالية منذ عام 1961 وحتى وقت قريب، ولكن هذه العقوبات لم تؤدّ إلى إضعاف النظام وتقوية المعارضة، بل اضطرت الولايات المتحدة مؤخراً إلى الإقرار بهذه الحقيقة، وإعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع دام عقوداً طويلة، هي عمر الثورة الكوبية.
كما أنّ تجربة الولايات المتحدة مع إيران تؤكد الخلاصة ذاتها، فعلى الرغم من العقوبات المدعومة بقرارات من مجلس الأمن في حقبة الهيمنة الأحادية الغربية، إلا أنّ النظام في إيران صمد والمعارضة تلاشت، واضطرت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بالأمر الواقع.
العقوبات الجديدة ضدّ فنـزويلا ستقود إلى نتائج مماثلة: تحصين النظام وتعزيز شرعيته الوطنية، وتعرية المعارضة بوصفها جماعة عميلة للولايات المتحدة، وسياق أميركا اللاتينية الآن يختلف عما كان عليه عند فرض العقوبات على كوبا، وبالتالي لن تنجح حملة الولايات المتحدة ضدّ فنـزويلا، كما لم تنجح حملتها ضدّ كوبا وإيران.
(البناء)