أوجلان والمسؤولية التاريخية: محمد نورالدين
إنه أسبوع الأكراد في تركيا، أو بالأحرى إذا جازت بعض المبالغة، أسبوع عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، الحزب الذي يخوض منذ العام 1978 حرب الاعتراف بالهوية الكردية في تركيا الذي انتقل الى العمل المسلح في العام 1984 .
ثلاثون عاماً وأكثر والمشكلة الكردية لم تجد حلاً . وعود كثيرة أغدقت على الأكراد من اليمين واليسار والإسلاميين والعلمانيين وكلها لم تجد سبيلاً للحل، واستمر النزاع تارة عسكرياً وتارة سياسياً . والجامع المشترك بين كل التيارات التركية كان الامتناع عن الاعتراف بوجود هوية كردية وإنكار وجود شعب كردي . ولقد تناوب طورغوت أوزال وسليمان ديميريل وطانسو تشيللر ومسعود يلماز ورجب طيب أردوغان على إطلاق التصريح ونقيضه .
في العام 2005 أعلن أردوغان أنه توجد في تركيا قضية كردية . وفي العام 2011 قال إنه لا توجد في تركيا مشكلة كردية بل مشكلة مواطنين أتراك من أصل كردي . وبعد سنتين من المفاوضات المباشرة بين رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان وأوجلان في سجنه، ها هو أردوغان يعلن قبل أيام فقط من عيد النوروز أنه لم تعد هناك من مشكلة كردية في تركيا .
ليس معروفاً المعايير التي استند إليها أردوغان في تقييمه هذا . لكنه يشكل مفاجأة عشية عزم أوجلان التوجه الى مؤيديه في تركيا ودعوة حزب العمال العمال الكردستاني الى عقد مؤتمر استثنائي لإلقاء السلاح .
بالطبع إن أوجلان لن يعلن إلقاء السلاح مجاناً بل سيشترط ذلك بعدة شروط تفرغ الدعوة من مضمونها . لكن استباق أردوغان نداء أوجلان بالقول إنه لم يعد هناك من مشكلة كردية في تركيا لن يخدم بتقديرنا الجهود لحل المشكلة ويدخلها في بازار الحسابات السياسية الضيقة الضاغطة على حزب العمال الكردستاني لإيهام الرأي العام التركي والكردي بأن المشكلة انحلت وليس على أوجلان سوى التجاوب وتوجيه نداء جدي لإلقاء السلاح او على الأقل عدم ربط الدعوة هذه بشروط لا يريد أردوغان في الأساس تنفيذها وهي عصب حل المشكلة .
يريد أردوغان أن يواصل الأكراد تنازلاتهم . انسحب جزء من المقاتلين الأكراد من تركيا الى شمالي العراق لكن أردوغان رفض ان يثق بذلك واعتبر انهم لم ينسحبوا . يريد حلاً وفي الوقت نفسه لا يعترف بالهوية الكردية . يريد حلاً ولا يرى في حزب أوجلان ذاته سوى تنظيم إرهابي . يريد حلاً في الداخل ويدعم تنظيم “داعش” في محاولة تدمير عين العرب/كوباني في سوريا ومنع أن يتداولوا بفكرة الحكم الذاتي . يريد حلاً ولا يعمل على تخفيض معدل نسبة النجاح في الانتخابات النيابية الى أقل من عشرة في المئة وهي نسبة تحول دون دخول حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المؤيد لأوجلان الى البرلمان التركي . يريد حلاً ولا يتيح التواصل بين قيادة حزب العمال الكردستاني وأوجلان نفسه في السجن . يريد حلاً ولم يقدم على أي خطوة ولو بسيطة في اتجاه الاعتراف بالحقوق الثقافية من تعليم باللغة الكردية وما شابه . يريد حلاً ولم يفعل شيئاً أو يومئ الى إمكانية القبول بصيغة حكم ذاتي للأكراد .
وهذه كلها تتطلب انعقاد البرلمان وتعديل الدستور وتغيير قوانين . في حين إن الفترة الفاصلة حتى موعد الانتخابات النيابية لا تتعدى الشهرين حيث يستحيل في ذروة الحملة الانتخابية فعل أي شيء .
لذلك فإن دعوة أوجلان في عيد النوروز لإلقاء السلاح لن تكون سوى خطوة يستحيل تنفيذها في ظل عدم وجود رغبة حقيقية للحكومة التركية في حل المشكلة . ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها أوجلان في السجن وخصوصاً عدم حرية التواصل مع العالم الخارجي، فإنه يدرك تماماً المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه في عدم التفريط بالحقوق الكردية ولو كلفه ذلك البقاء في السجن حتى مماته .
إن الكرة لم تكن يوماً في الملعب الكردي، فهم شعب مظلوم في تركيا منذ قرن وأكثر . الكرة في أنقرة . والأتراك بكل تياراتهم العلمانية والقومية والإسلامية يجيدون المراوغة والمناورة والتسويف . لكن إرادة الشعوب كما حصل في عين العرب/ كوباني لن تتأخر في فرض إرادتها في الداخل التركي .
(الخليج)