عشيّة ذكراها الرابعة… الأزمة السوريّة بين تصريحي كيري وكارتر د. إبراهيم علوش
تصريح وزير الخارجية جون كيري الأحد الفائت أن الولايات المتحدة على استعداد للتفاوض مع الرئيس بشار الأسد لأجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة قد يبدو إشارةً مناقضة لإصرار الإدارة الأميركية على إطالة أمد الصراع، سواء من خلال فتح معسكرات لتدريب العصابات المسلحة في الدول المجاورة لسورية، أو من خلال الإعلان الأسبوع الفائت عن حزمة جديدة من «المساعدة العسكرية غير القاتلة» بقيمة 70 مليون دولار لـ«المعارضة السورية». غير أن المهمّ في تصريح كيري، في الواقع، ليس التلميح للاستعداد للتفاوض مع الرئيس الأسد، وهو ما أكد موظفون كبار في وزارة الخارجية الأميركية أنه لا يعني قيام الولايات المتحدة بفتح محادثات مباشرة مع الرئيس الأسد، ولا يمثل تحولاً في السياسة الأميركية، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» في 15 آذار 2015، إنّما المهم في تصريح كيري هو العودة الى نغمة «لا حل عسكرياً في سورية، ولا بديل من الحل السياسي»، الذي يعني فعلياً: لا خيار إلا التفاوض مع القيادة السورية، سواء تمخض ذلك عن محادثات أميركية مباشرة مع القيادة السورية أم لا…
كان شهرا أيلول وتشرين أول 2013 المرة الأخيرة التي صدح فيها كيري بنغمة «لا حل عسكرياً في سورية» في سياق التهديدات الأميركية بتوجيه ضربات جوية قاصمة لسورية، لذلك كان معنى الحديث الأميركي عن «الحل السياسي» آنذاك: استسلموا، وإلا سنهاجمكم! وقد فشل ذلك الرهان فشلاً ذريعاً كما نعلم. أما اليوم فإن الحديث الأميركي عن الحل السياسي في سورية، في سياق أولوية قتال «داعش»، ومحادثات النووي مع إيران، وانتصارات الجيش العربي السوري في أرياف درعا والقنيطرة وحلب ودير الزور ودمشق ومنطقة القلمون، يعني إقرار الإدارة الأميركية بأن القيادة السورية تبقى الرقم الأصعب الذي لا يمكن تجاوزه في الأزمة السورية.
غير أن مثل ذلك الاعتراف، في الذكرى الرابعة للأزمة السورية، لا يعني أن الإدارة الأميركية على وشك التسليم فوراً بحل سياسي ينهي الأزمة ويعيد إلى ربوع سورية السلام، بما يشبه إعلان الاستسلام والفشل المريع نهائياً في تعاملها مع الملف السوري، فلا بد من أوراق تلعبها لتحسين شروط تراجعها، ولا بد من إنقاذ ماء وجهها وماء وجه حلفائها الإقليميين الذين تقض مضاجعهم مفاوضات النووي مع إيران وما يبدو أنه استعداد إدارة أوباما للتعايش مع الدور الإقليمي لإيران.
تصريح وزير الدفاع الأميركي الجديد أش كارتر أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الفائت، تعليقاً على تفويض الثلاث سنوات الذي طلبه الرئيس أوباما لقتال «داعش»، بأنه «لا يستطيع أن يضمن» أن المعركة مع «داعش» سوف تنتهي في ثلاث سنوات، يرسل مثلاً إشارة واضحة حول ما تضمره الإدارة الأميركية لمستقبل الأزمة في سورية، خاصة أن وزير الدفاع كارتر كان يتحدث وبجواره وزير الخارجية جون كيري، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، وأن خطة التفويض المقترحة لا تتضمن وضع قوات أميركية على الأرض، أي أن المطروح أميركيّاً هو إطالة أمد الأزمة السورية ثلاث سنوات أو أكثر بقوى غير أميركية!
المشروع الأميركي – الصهيوني، كما أشرت في عدة مناسبات سابقة، هو محاولة استنزاف سورية وتفكيكها وتدميرها، ما دام مشروع «إسقاط النظام» قد فشل، وما دام فيضان «داعش» عبر سورية في اتجاه العراق خلق أولوية غربية جديدة هي في الواقع احتواء «داعش» وتوظيفها لتبرير الدور الأميركي في الهلال الخصيب، لا القضاء عليها قضاءً مبرماً. المستفيد من هذه الاستراتيجية يبقى الكيان الصهيوني أولاً، وحلف الناتو المعني أيضاً باستنزاف حلفاء سورية على طول جبهة واسعة ومتعددة المستوى، من أوكرانيا إلى سورية، ومن حلبة العقوبات إلى حلبة خفض أسعار النفط وما يستتبعه ذلك من ضغوط انكماشية على اقتصادي روسيا وإيران.
تدرك الولايات المتحدة جيداً أن العصابات المسلحة في سورية مشتتة ومتناحرة وأنها لا تستطيع تبني المشروع السياسي لقواها الأساسية مثل «داعش» و«النصرة»، أمام المواطن السوري أو أمام المواطن الأميركي أو الغربي، وتدرك أن ما يسمى «الجيش الحر» والزمر التي تعتبرها من عظام الرقبة لا تتحمل «غلوة واحدة» مع الجيش العربي السوري أو حتى القوى التكفيرية مثل «داعش» و«النصرة»، لكنها تحتاج إلى أدوات إرهابية تتيح لها إطالة أمد الأزمة في محاولة لابتزاز القيادة السورية على شروط الحل السياسي، وفي السعي إلى استنزاف القدرات الدفاعية والبنية التحتية السورية لمصلحة العدو الصهيوني إلى آخر لحظة ممكنة إذا لم ينجح مشروع تفكيك سورية والإقليم .
بعد أربع سنوات على بدء الأزمة السورية، بات واضحاً أن عوامل استمرارها خارجية، خليجية وتركية و«ناتويّة»، لا داخلية، وأن إيقاف دعم الإرهاب وتمويله من قبل هذه القوى القائمة عليه قد ينهي الأزمة السورية في أشهر قليلة، إن لم نقل أسابيع… ورغم الجروح كلّها والآلام التي يعانيها الشعب السوري، فإنه راح يستمد قدرته على الصمود والاستمرار من قلب الدمار والدماء ليحلّق مثل العنقاء في فضاء تحدي التاريخ. تلك هي عظمة ذلك الشعب. والذين راهنوا على تدمير سورية لم يضعوا في حساباتهم مثل هذه الروح، ولم يضعوا في حسابهم أن في سوريةً حماةً لا تهزهم النائبات ولا توهن عزمهم الريح الصفراء، وأن قاسيون لن تعلوَ فوقه إلاّ راية الوطن. لم يدرك الذين أرادوا حفر قبر سورية أنهم كانوا يحفرون قبورهم بأيديهم، وها هم عشية الذكرى الرابعة للأزمة بدأوا يستوعبون أنهم جمعوا خلاصة العفن التكفيري من أقاصي الأرض وراكموها على أبواب دورهم وأن قاذوراتهم سوف تلتهمهم، لكنّهم بدأوا يستوعبون أخيراً أن سورية لن تكون لهم أبداً لأن فيها أسوداً، وفيها الجيش العربي السوري…
(البناء)