سلطة الثورة وسلطة الدولة ثريا عاصي
ليس منطقياً أن ندير نحن اللبنانيين وبصرف النظر عن إختلاف آرائنا وأفكارنا، أن ندير ظهرنا للثورة الإسلامية التي إنطلقت من إيران. فلقد إلتحق بهذه الثورة لبنانيون حرروا الأرض من المستعمرين الإٍسرائيليين، بينما كنا هنا قاعدين! هبت هذه الثورة أيضا للدفاع عن سوريا بوجه الهجوم الذي تتعرض له من جانب المستعمرين وأمراء النفط. هؤلاء جردوا الإنسان في بلاد العرب من إنسانيته وعملوا على تلقينه الرذيلة فتحول إلى كائن فظٍ.
من البديهي أن هذه الثورة الإسلامية كمثل أية ثورة، تحمل مشروعا إجتماعيا وطنيا. اتضح مع الوقت ومن خلال المعارك التي خاضتها أن هذا الأخير ذو شقين. الشق الأول، يتعلق بمسألة التحرر الوطني والإستقلال عن المستعمرين والإمبريالية. أما الشق الثاني، وهذا بصراحة مطلقة، لا يعنيني شخصيا لا من قريب ولا من بعيد. ولكن أعتقد أن القصد منه هو الإلتزام بروحية الرسالة المحمدية، بحسب مفهوم يختلف بل يناقض الوهابية والسلفية والأصولية التي يروج لها في الأوساط الشعبية، ناشطون من «السنة»، كمثل الإخوان المسلمين والقاعدة و«داعش». كتبت في مقال سابق، ان هؤلاء الناشطين «السنة»، يقتضي التوضيح أن ما أعنيه هنا هو المحور السني الذي يقوده ملوك وأمراء الخليج، بادروا إلى إعلان الحرب على الثورة الإسلامية. أعماهم الخوف على مواقعهم، عن مسألة التحرر الوطني إلى حد أنهم إستقووا بالمستعمرين وأطلقوا بالتعاون معهم هذه المهزلة التي أسموها ثورة فإذا الناس في حال مفجعة من الهرج والمرج. أطرح سؤالا، علما أن إيفاء المسألة شرحا وتحليلا يحتاج إلى بحث لست بصدده الآن، لماذا نسمي تمدد الثورة الإسلامية إلى لبنان وسورية والعراق تمددا إيرانيا. لماذا لا يكون تمددا إسلاميا. «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». لماذا يصير المقاوم اللبناني في جنوب لبنان بفتوى ملكية أو أميرية خليجية، صفويا أو ساسانيا؟ ان الملوكَ إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعِزّةَ أهلِها أذلةً وكذلك يـَفعلون»! التسليم إذن بأن المقاومة في لبنان هي جزء من الثورة الإسلامية التي انطلقت من إيران، لا ينزع من حيث المبدأ، عن عناصر هذه المقاومة هويتهم اللبنانية وإنتماءهم السوري العروبي. تحسن الملاحظة في هذا السياق، إلى أن العامل الوطني القومي الإيراني ساهم إلى حد كبير، لا شك في ذلك، في انتصار الثورة الإسلامية وفي شحذ الشعور الوطني من أجل الدفاع عن البلاد تحت رايتها.
من البديهي أن هذه الثورة جمعت بين الإلتزام بالقضية الوطنية والأمانة للعقيدة الدينية. لولا ذلك لما استمرت الجامعات في إنتاجها البحثي ولما تحولت إيران والثورة الإسلامية إلى كابوس يؤرق الرجعية الخليجية والمستعمرين الإسرائيليين معا.
ما أود قوله في الختام هو أنه يتوجب على المقاومة اللبنانية من وجهة نظري، أن تولي القضية الوطنية اللبنانية، عناية أكبر. بدءا بسلوك نهج سياسي داخلي يختلف عن أداء السياسين التقليديين المعروف وينسجم مع العمل الثوري الذي يقوم به المقاومون في مواجهة المستعمرين الإسرائيليين وحلفائهم. تشق الثورةُ الطريقَ أمام السلطة الوطنية. لا تمارس الثورة أو المقاومة السلطة! ولكنها توفرالشروط اللازمة للإتفاق تحت سقف الوطن!
(الديار)