رتب في الملعب السياسي: يعقوب عميدرور
في الآونة الاخيرة قام عدد من زملائي (جنرالات احتياط وكبار رجال الاستخبارات السابقين) بحملة سياسية ضد رئيس الحكومة. لم أفهم السبب من وراء ذلك حيث هاجموا من اليمين (لماذا لم يتم تدمير حماس في غزة مثلا)، لكنهم هدفوا إلى مساعدة اليسار. لا أحدا منهم يوصي بالتصويت للبيت اليهودي أو اسرائيل بيتنا.
أشعر أن علي واجب الاجابة على الاسئلة. هذا الواجب ينبع من أنه طوال حوالي سنتين ونصف شغلت منصب مستشار الامن القومي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. كما هو مفهوم هو الذي اتخذ القرارات، لكنني أرى في نفسي كمن ساعد في بلورتها. ليس دائما تم الأخذ برأيي، لكن دائما أعطيت لي الفرصة لكي أشرح بالتفصيل المطلوب.
السؤال الاول يتعلق باطلاق سراح السجناء الفلسطينيين مقابل جلعاد شليط. هذا سؤال يشذ عن المجال المهني ويتداخل في اعتبارات اخلاقية واجتماعية هامة. واضح أنه كان هناك ضغط داخلي قوي في اسرائيل لاطلاق سراح المخربين، وكان هذا عنصرا مهما بالتأكيد. هذا الضغط لم يقابله ضغط مضاد أو اظهار رأي حاسم ضد العملية من قبل اولئك الذين يحتجون الآن ضده. اذا كان هذا هو رأيهم فانهم لم يقوموا بالحد الادنى المطلوب لمساعدة اولئك الذين اعتقدوا أنه يجب عدم اطلاق سراح المخربين. هناك أكثر من نفاق بطرح هذا السؤال من قبل من لم يساعدوا في شيء في الوقوف أمام هذا الضغط، حتى أن عددا منهم أثنى على هذا القرار في حينه.
المسألة الثانية تقسم إلى قسمين وهي تتعلق بحماس: كيف سمحت اسرائيل لحماس بحفر الانفاق، وكيف لم تتغلب عليها خلال العملية. اعتقدت، هكذا كنت أدعو خلال وظيفتي، أنه ليس صحيحا أن تبادر اسرائيل بدون سبب ظاهر للعيان إلى القيام بعملية ضد حماس في القطاع. هذه الامور طرحت فيما يتعلق بزيادة قوتها الصاروخية، ولكن المنطق متشابه. للأسف في العالم الحالي ليس بالامكان المبادرة بدون «مبرر قوي» إلى القيام بعملية يقتل خلالها آلاف الفلسطينيين. ولست متأكدا أنه بالامكان ايضا ازاء قتل 70 اسرائيليا، لكن هذه موازنة مختلفة. فقط زعيم عديم المسؤولية مستعد أن يعرض للخطر شرعية اسرائيل وقدرتها على استخدام القوة عندما تكون هناك حاجة حقيقية، يبادر إلى القيام بعملية كهذه. هذه المسألة تشير إلى قلة فهم حقيقي لمسألة توقيت استخدام القوة أمام تهديد مثل حماس.
«تصفية حماس»، كما هو مفهوم، هي شعار غير مناسب لاشخاص متزنين، وفي الحقيقة هو غير جدي. بالمناسبة، أن نسمع امورا كهذه من اولئك الذين دعموا اوسلو ودعموا الانسحاب أحادي الجانب من غزة ـ هذا غريب جدا. فقد زعم اليمين أن هذه ستكون النتيجة، وعدد من السائلين طردهم مستعينا برتبه وتجربته. في هذا الشأن ليس هناك فقط عدم فهم ولكن ايضا عدم استقامة عقلية.
الاسئلة حول هضبة الجولان، تسليح حزب الله والإرهاب الشخصي في القدس ـ لا تستحق الاجابة. رئيس الحكومة بالتأكيد غير متهم بالاضطرابات في الشرق الاوسط، وعلينا أن نشكره على عدم زج اسرائيل في خضم هذا الاضطراب المرعب. رئيس الحكومة غير مسؤول عن أن الاسد تحول إلى شخص يعتمد على حزب الله، وأن سوريا مستعدة لأن تفعل كل شيء من اجله، ولا يستطيع أي رئيس حكومة منع الإرهاب من قبل اشخاص منفردين. هذه اسئلة للمناكفة فقط، إلا اذا كان هناك من يوصي بالمبادرة إلى هجوم ضد حزب الله أو أن نفرض منع تجول يمنع حركة العرب في القدس.
بالنسبة لإيران أود الاقتباس من صحيفة مهمة ليست محبة لرئيس الحكومة، «الايكونوميست»: «النووي الإيراني يحظى بمعالجة دولية واسعة، ايضا بسبب السيد نتنياهو، لا تحظى به اماكن اخرى توجد فيها مشاكل مشابهة». هذه كل القصة: لم يكن هناك شخص واحد في العالم يقود الجهود لفرض العقوبات ويعمل على الموضوع بصورة مكثفة بدون النشاط الكلامي و»المغضب» لرئيس الحكومة. عندما اتضح، خلافا لتقديرات عدد من سائلي الاسئلة، بأن الولايات المتحدة تقود الامور إلى اتفاق سيء، فقد كان أمام اسرائيل ثلاثة خيارات: الخضوع للاملاءات الامريكية وأن تتفاوض معهم بصورة سرية جدا حول المقابل، أن تصمت وفيما بعد تقوم باستخدام امكانياتنا، أو كما قام بذلك رئيس الحكومة، أن تتحدث بصورة واضحة ضد الاتفاق، أن ندفع الآن ثمن الوقوف في وجه اوباما وأن نهييء العالم لامكانية أن نقوم بالعمل في المستقبل. هذا على أمل أن هذا التوضيح سيصعب على الادارة التوصل إلى اتفاق سيء. هذا موضوع معقد، وللأسف، قليلون من يفهمونه حقا، ولكن ليس بالامكان بأي صورة وعلى أي وجه الادعاء بأن موقف نتنياهو غير منطقي أو أنه أقل صوابا من الآراء الاخرى. أنا متأكد جدا أن عددا من سائلي الاسئلة كانوا سيظهرون تفهما أكبر لمواقفه لو كانوا يعرفون تفاصيل الموضوع.
المسألة الاخيرة هي المسألة الفلسطينية. هذا موضوع مركب لأنه في كلا الطرفين تتداخل المشاعر والمصالح، الايديولوجيا والمشاعر الداخلية ليس أقل من المنطق. هل حقا يمكن اتهام اسرائيل فقط بفشل المفاوضات؟ هل استجاب الفلسطينيون لاقتراحات رؤساء حكومة آخرين، اولمرت وباراك مثلا؟ هل هناك احتمال لقبولهم شروط الحد الادنى التي يعرضها المنافسون لرئيس الحكومة؟ في تقديري عدد من السائلين يعرف أن الجواب على ذلك سلبي، لكنهم سألوا من اجل احراج من يؤيدوه.
أحد اعضاء هذه المجموعة ادعى أن الجيش الاسرائيلي يستطيع الدفاع عن أي حدود يتم تحديدها. حسب رأيي المهني المتواضع، هذا قول ليس له أساس. هناك اوضاع يكون فيها من غير الممكن محاربة الإرهاب (لمن نسي: اسرائيل احتلت من جديد الضفة الغربية في 2002، بعد أن اتضح أنه لا توجد طريقة لوقف الإرهاب من هناك). من المؤسف أن اقوال مضللة إلى هذا الحد من الناحية المهنية تُقال فقط لاغراض المناكفة السياسية.
ومن هنا إلى الملاحظة الشاذة عن أجاباتي المهنية، باسمي وعلى مسؤوليتي: أعتقد أن هناك ضرر كبير بقيام ذوي الرتب بانتظام سياسي. هذا هو السبب لعدم موافقتي على المشاركة في انتظام مضاد رغب في القيام به ذوي رتب كبيرة آخرين (من اجل الدفاع عن رئيس الحكومة). هذا مسيء للجيش، حيث سيبدأون في التمييز بين من ينتمي لمن. هذا مسيء للسياسة الاسرائيلية لأن هناك من يمكنه الاعتقاد بأن هناك افضلية للجنرال على المواطن العادي في المواضيع السياسية. هذا مسيء لاصحاب الرتب الذين يلعبون في الملعب السياسي لكنهم يريدون أن ينظروا اليهم بأنهم غير سياسيين. لهذا فانني لا أدعو أي شخص لمن يصوت أو لا يصوت. هذا حق محفوظ لكل مواطن.
من المؤسف أن اصحاب الرتب جروا رتبهم إلى عالم الحيل السياسية، هذا عالم مهم ولكن الاهم هو أن تبقى الرتب خارجه.
إسرائيل اليوم