في الذكرى التاريخية هدية تاريخية
ناصر قنديل
– في الرابع عشر والخامس عشر من آذار تحضر على التوالي، الذكرى العاشرة والذكرى الرابعة، لما يحب أصحابهما بتسميتهما بالتتابع، بـ «ثورة الاستقلال اللبنانية» و«ثورة الشعب السوري»، والثورتان في عرف أصحابهما بوضوح موجهتان بصورة لا لبس فيها، ضد الرئيس السوري بشار الأسد.
– الثورتان شقيقتان ليس في تبني الهدف نفسه، فقط، بل بالتوقيت المبرمج بين قادتهما، حيث أعلنت الثانية بكلمة سر هي خلع جاكيت رمز الثورة الأولى الرئيس سعد الحريري، في احتفال ذكرى ثورته، لافتتاح المرحلة الثانية منها، بإعلان إشارة الانطلاق للثورة الثانية، أي ما قال عنه فيلسوف الثورتين الدكتور فارس سعيد، بأنه الانتقال من إسقاط نظام الوصاية إلى إسقاط نظام الاستبداد، ترجمة لوصية نبي الثورتين الراحل سمير قصير بمعادلته الشهيرة، الاستقلال اللبناني مشروط بالديمقراطية في سورية، وهي الوصية التي لم يجد النائب وليد جنبلاط وسيلة لتحقيقها غير «جبهة النصرة»، التي أصرت على رغم المال القطري والوعود السعودية و«الإسرائيلية» والتركية، إلا أن تبقى فرعاً لتنظيم «القاعدة» في بلاد الشام.
– الثورتان شقيقتان، بالمرجعية الواحدة، الأم الواحدة، الحليب الواحد، المرضعة الواحدة، مع فارق مجاهرة الأولى لأصالة الأمومة، وتظاهر الثانية بأنها أمومة بالتبني، لحين، قبل الكشف على الحمض النووي وظهور الجينات الوراثية، في حين لم يعد ثمة حاجة للفحوصات والأدلة والإثباتات، فالثورتان تنهيان كل بيان أو مقال، بتوجيه التحية إلى الأم السعودية الحنون، الضنينة، بلبنان واحة العيش بين الأديان، شرط أن تبقى السعودية صحراء بلا واحات مشابهة، والضنينة بأن تكون سورية بلد الديمقراطية، مع جملة اعتراضية قوامها، أن الديمقراطية والدساتير تتعارضان مع المهمة الإلهية بخدمة الحرمين الشريفين، خدمة لا تليق إلا بملك من بني سعود، والأم السعودية تمول وتقود وتحدد، وتطاع بلا نقاش في الثورتين، ومعها مرضعات ووصيفات للمعونة عند الحاجة بالمولودين الهجينين العجيبين، مرة تركيا ومرة قطر، ومرات فرنسا، وأغلب المرات «إسرائيل».
– مهمة إسقاط الرئيس بشار الأسد، لم تعد بحاجة لتحديد الأب، بعدما عرفت الأم، ولا درجة صلتها بالاستقلال وبالديمقراطية والعيش المشترك، طالما الأداة هي «النصرة»، والحضن السعودي لا يأنس لأولاده ولو بالتبني إلا للأب الأميركي، كما يبدو نتاج التلاقح بين هاتين الأبوة والأمومة، من الصورة المبهرة لوجه وملامح المفكر المشترك للثورتين رضوان زيادة، المقيم في مراكز الدراسات وصنع القرار الأميركي لتزويد الثورتين بآخر التعليمات، والمعلومات، فقد تماشت الثورتان مع التعليمة التي أطلقها الرئيس الأميركي لأحصنة السباق في الشرق الأوسط، يجب ألا يبق الأسد، وآن الأوان لرحيل الأسد، وفاقد الشرعية أيامه معدودة، فأنفق المال وفتحت العنابر والمستودعات والسجون وغرف العمليات واستجلب السلاح والمسلحون، لترجمة أوامر وتعليمات سيد البيت الأبيض، وتناوب ساسة الخيل السعودي على امتطاء أحصنة سباق الثورتين لبلوغ الهدف، فمرة يسوس بندر ومرة سعود ومرات تولى الملك نفسه القيام بالمهمة.
– في الذكرى التاريخية لا بد من هدية أبوية تاريخية تليق بمكانة الأحصنة والرعاة والعرابين والساسة والأم الحنون، ولا بد من اختيار مكان تاريخي وسياق مناسب للكشف عن الهدية، هكذا كان كلام وزير الخارجية الأميركية جون كيري، من شرم الشيخ هدية مناسبة للمناسبتين، «ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة في نهاية المطاف للتفاوض مع الرئيس بشار الأسد».
– هي مبروك لكل من يرتضي أن يكون حصاناً أميركياً ولا ينتبه أن معناها الوحيد أنه يربط مصيره بالرسن الأميركي، فالوقت ليس للتحليل، وقد توقعنا ذلك منذ سنتين، في مثل هذه الأيام من عام 2013، في سياق العد التنازلي للمئة يوم لحسم القرار الأميركي بالخروج من خيار الحرب، والذهاب لخيار التفاوض، واعتبار المشهد العسكري المتمادي والمتصاعد جزءاً من إثبات خيار التفاوض، لا دليل النفي له.
– مبروك كبيرة تلقفها النائب وليد جنبلاط، وعلق عليها بارتباك نيابة عن كل معسكر الثورتين، ثورتان لا بارك الله بهما، وقد صارت «إسرائيل» وحدها من يصفق لهما، قال جنبلاط: «لا أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن الغضب إن لم أقل الاحتقار لموقف كيري»، كما كان يتمنى الموت بصاروخ لبول وولفوفيتز، ثم تمنى دور زبال في نيويورك، فبكى على كتف الصديق جيف، ثم بين يدي السيد حسن نصرالله، يحتقر جنبلاط كيري، وهذا حقه فنحن نشاركه الاحتقار لكيري من قبل بكثير ليس بسبب موقفه هذا، بل بسبب غبائه وطبيعة رهاناته واختياراته وأحصنته وأوهامه، وثقتنا بأن الكاذب لا يمكن أن يفوز يوماً، فكيف نصدق أن من يحالف السعودية عراب ديمقراطية، وكيف نصدق أن من يحالف تركيا عدو لـ«داعش»، وكيف نصدق أن من يدافع عن «إسرائيل» ويحميها في ذروة الخلاف معها يمكن أن يضمر الخير لعربي؟
– قال كيري لقادة الثورتين، باي باي، باي باي يا حلوين، كانت ثورة حلوة كتير، وباي باي، باي باي يا حلوين.
(البناء)