«ثورة الأرز» في مُواجهة «الإمبراطوريّة» الفارسيّة : «وصفة انتحار» رهانات على «استراتيجيّة» الملك سلمان و«انقلاب» أميركي الشهر المقبل؟ ابراهيم ناصرالدين
تشكيل المجلس الوطني لقوى 14آذار «وصفة» فشل جديدة لن تكون مختلفة عن التجربة «بالنسخة» السورية التي انتهت الى معارضة «فنادق» «لا تثمن ولا تغني عن جوع». هذه الخلاصة لا تحتاج الى الكثير من الابداع الفكري، فالوقائع والمقدمات والسياق التاريخي للاحداث توثق الاخفاقات السابقة وتؤسس لاخفاقات لاحقة لقوى سياسية تبحث عن دور لها بعد ان رسبت في كل الامتحانات والادوار التي اوكلت لها من قبل الحلفاء الاقليميين والدوليين، ولكن ثمة محاولة جديدة لحجز مكان لها في مواجهة «الامبراطورية الفارسية» في المنطقة. فهل هذه القوى مؤهلة لهذا الدور؟
«المكتوب يقرأ من عنوانه» تقول اوساط بارزة في 8آذار، فدعوة منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد إلى « بث الروح في الثورة» يعني في علم المنطق ان ثمة «ثورة» كانت قائمة وحققت انجازات والحاجة ملحة اليوم لاعادة الروح اليها، طبعا هذا مجرد «هذيان»، فما حصل قبل عشر سنوات لم يكن الا رد فعل شعبي ووطني على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تم استثمار الجريمة اقليميا ودوليا لإخراج الجيش السوري في 26 نيسان 2005 وبعدها انتهت وظيفة «الثورة» وبدا استخدام قادتها وقودا في «لعبة الامم» كما قال النائب وليد جنبلاط الذي غادر «السفينة» مبكرا. وتوالت الاخفاقات بدءا من الفشل في اجبار رئيس الجمهورية الأسبق اميل لحود على مغادرة السلطة، وانتهاء بتبرير قيادات 14 آذار جلوسها على «طاولة» واحدة مع حزب الله تحت شعار محاولة «لبننة» الحزب الذي اضحى اليوم اكثر قدرة وفعالية في رسم المعادلات الاستراتيجية والتكتيكية في البلاد، رغم الحروب السرية والعلنية المستمرة ضده.
وفي هذا السياق تلفت تلك الاوساط الى ان الرئيس سعد الحريري لم يعد متحمسا كثيرا لهذه «العباءة» الفضفاضة وبات مقتنعا بأن غالبية «ابناء الثورة» يبحثون عن ادوار للبقاء على «قيد الحياة» سياسيا، وقد برز ذلك خلال زيارته الاخيرة الى بيروت من خلال رفضه عقد اجتماع موسع لمكونات هذا الفريق عشية إحياء الذكرى العاشرة «لانتفاضة الاستقلال»، واكتفى بلقاءات منفردة مع بعض القيادات البارزة، ولو كان الخيار متاحا لدى «زعيم المستقبل» لكان تخلص من كامل «الحمولة الزائدة» التي تثقل كاهله، لكن مواجهة «الامبراطورية» الفارسية تقتضي الحفاظ على هذا «الهيكل» الفضفاض لملاقاة الاستراتيجية الخليجية والعربية التي يعمل عليها الملك سلمان، فما هي الرهانات الجديدة؟
بحسب اوساط دبلوماسية في بيروت ثمة رهان لدى قوى 14 آذار على اعادة واشنطن لحساباتها في المنطقة، ويتحدث السعوديون بتفاؤل غير مسند الى اي وقائع حسية، عن امكان تبلور استراتيجية جديدة الشهر المقبل مع اعلان وزير الخارجية الاميركي جون كيري في الجلسة امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ عن اجتماع يعقد في واشنطن يشارك فيه زعماء الدول الخليجية بعد ان تكون توضحت احتمالات اعلان اتفاق الاطار مع ايران حول الملف النووي، من اجل مناقشة الخطوات اللازمة لمواجهة ايران. وسمع الحريري من القيادة السعودية كلاما يفيد بان الولايات المتحدة تجنبت حتى الآن مقاربة اي انتقاد لطهران حول انخراطها في حروب المنطقة من اجل انجاح المفاوضات على الملف النووي، لكن بعد تبلور المشهد سلبا او ايجابا سيكون هناك حديث آخر.
وبحسب المعلومات فان الاميركيين ينتظرون من القيادة السعودية عرضا متكاملا يتضمن استراتيجية واضحة ازاء ايران، وقد ابلغ كيري نظراءه في اللقاء الاخير في الرياض ان واشنطن لا تستطيع التعامل مع الشكوى المستمرة من التوسع الايراني دون الاستماع الى استراتيجية «سنية» واضحة المعالم تشمل خطة واضحة لكيفية اعادة ترتيب المنطقة مع الاخذ بعين الاعتبار ان المطلوب احتواء ايران وليس شيئاً آخر غير واقعي، «فواشنطن غير مستعدة لخوض اي حروب جديدة حتى لو فشل التفاهم على الملف النووي»، والتعويل منصب على اللقاءات المتعددة التي اجراها الملك السعودي مع زعماء تركيا ومصر وقطر وباكستان وسواها من الدول، في سياق الاعداد لهذه الاستراتيجية، مع العلم ان الاميركيين نصحوا حلفاءهم بايجاد صيغة لفتح حوار جدي مع ايران حول القضايا الخلافية.
وامام هذه المعطيات تدخل قوى 14آذار مرة جديدة في «لعبة» من الاوهام غير المنسقة مع الوقائع السياسية والميدانية، ولو قدر لهذه القوى، تقول اوساط 8 آذار، ان تستمع لصوت «العقل» لتساءلت عما اذا كان ممكنا مناقشة سبل مواجهة ايران في المنطقة الشهر المقبل؟ وعما اذا كانت السعودية قادرة على حل «معضلة» الانقسامات الاقليمية والتوحد في مواجهة طهران التي لم تقطع «شعرة معاوية» مع قطر وتركيا وتخترق «البيت الخليجي» وعززت نفوذها في اليمن؟ وهل يمكن حقيقة الرهان على تدخل اميركي من اجل مواجهة المكاسب الايرانية؟ وهل من المحتمل ان تقدم واشنطن على اي خطوة متهورة تجاه ايران قبل نفاذ مهلة توقيع اتفاق نهائي معها على ملفها النووي في حزيران المقبل؟ الم يسمع هؤلاء كيري في الجلسة نفسها يقول ان التفويض الذي تسعى اليه الادارة الاميركية من اجل مواجهة «داعش» لا يشمل حماية مقاتلي «المعارضة السورية المعتدلة» من قصف النظام ما يفيد باستبعاد خرق الالتزام الذي قطعه الرئيس الاميركي لمرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي الخامنئي في تشرين الاول الماضي حول عدم استهداف التحالف الدولي مواقع النظام السوري. الم يسمع هؤلاء مدير «السي اي ايه» جان برينان يقول بالتزامن مع انعقاد مؤتمر «البيال» ان واشنطن غير معنية باسقاط الدولة والمؤسسات السورية؟ وهذا ما يستدعي سؤالا منطقيا عن امكانية الرهان على تغيير في الاستراتيجية الاميركية لاحتواء طموحات طهران فيما تقدم واشنطن التزامات علنية في سوريا الساحة الابرز لنجاح «التدخل الايراني»!.
طبعا لا تملك قوى 14 آذار ترف الجلوس والتفكير لاتخاذ القرارات الصائبة، فثمة من يرسم لها ادوارا في الخارج تؤكد اوساط 8 آذار وما عليها الا محاولة المواكبة لتنفيذ ما عليها من موجبات. الرئيس الحريري يدرك جيدا انه غير قادر على حمل لواء مواجهة تمدد «الامبراطورية الايرانية» وتاثر بعد لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقراءة المصرية للعلاقة مع ايران، فخرج بكلام ايجابي عنوانه التعاون، لكنه اضطر الى الاستدراك والتراجع بعد ساعات قليلة من «استفسارات» سعودية، الى صياغة بيان الذكرى العاشرة «لثورة الارز» معلنا عدم الرضوخ لهذه «الامبراطورية»، طبعا لا يعرف كيف؟ ولا يملك مع الحلفاء اي مقومات تسمح له بذلك، لكن «الثرثرة» ضرورية في محضر «صورة باهتة» لتجمع 14آذار هو انعكاس لضعف ذاتي في البنية والقدرة، وانعكاس لتبدلات اقليمية ودولية بدأت مع الفشل في اسقاط النظام السوري، وفشل تلك القوى في الدور الذي انيط بها في بداية الاحداث السورية، وانطلاق طهران نحو الدفاع عن مصالحها الحيوية في المنطقة. ويكفي اليوم ان يتابع اي مراقب كيف انتقل الصراع حول ايران الى الداخل الاميركي بين الادارة الاميركية والكونغرس، وبين الرئيس باراك اوباما واسرائيل، وبين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، وفيما البحث مستمر عن كيفية مواجهة «المد» الايراني انهت ايران رسم حدود «امبراطوريتها» في الجنوب والشمال السوري وتكريت وصنعاء. اما الرهان على دور «لثورة الارز» في مواجهة هذه «الامبراطورية» المزعومة، فهو «وصفة انتحار» لا طاقة لهذه القوى على تحملها، وهذا ما يرجح ان لا تساوي قيمة الكلام المهدور حول هذا الموضوع «الحبر الذي كتبت به».
(الديار)