أبو مازن يفقد السيطرة: عميرة هاس
وصل هذا الاسبوع مبلغ المستحقات الضريبية وجمارك الاستيراد الفلسطيني، التي ترفض اسرائيل تحويلها للسلطة الفلسطينية 1,744 مليار شيكل، وذلك بعد ان تم خصم الدفعات الدائمة للمستشفيات الاسرائيلية، ولشركة المياه الاسرائيلية مكوروت وشركة الكهرباء، بدل الكهرباء التي تبيعها لقطاع غزة.
تمثل الضرائب والجمارك التي تحتجزها اسرائيل حوالي ثلثي الايرادات الجارية للسلطة، وهذا هو الشهر الثالث الذي يتلقى فيه 180 الف موظف حكومي فقط 60 بالمئة من رواتبهم (ذوي الرواتب اقل من 2000 شيكل يتلقون كامل الراتب). وهناك من يقدر ويأمل انه بعد الانتخابات الاسرائيلية سوف يتم إعادة هذه المبالغ. ولكن وزير المالية الفلسطيني، شكري بشارة، يقول «ان ليس لدية فكرة فيما اذا كان هذا سيحصل فعلا».
ويقول بشارة في حديث له مع هآرتس: «هذا مؤلم بشكل خاص، ان اسرائيل ضربت بالسلاح الاقتصادي (على التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي). لو انني كنت اسرائيليا، لكنت معنيا بجار له مستوى عال من المعيشة قريب من تلك التي لي. علينا القضاء على الاحباط، والمواقف السلبية، او التوجه للضرب بما جوهره ليس تهديدا؟ العلاقات الاقتصادية والمصرفية هي من بين العلاقات هي من بين العلاقات الوظيفية القليلة التي تدار بين المجتمع الفلسطيني واسرائيل. فزعزعة هذه العلاقات وللضرب المباشر بما هو جيد يبدو لي انه مناقض للكفاءه».
واضاف بشارة ان «الوضع الامني يتحول مع الوقت إلى مسألة حساسة بشكل خاص. ولا يمكن التوقع من قوات الامن الفلسطينية ان تقوم بمستوى أداء عالي من السيطرة والالتزام، اذا لم نقم بمنحها جميع مطالبها المالية وحاجاتها الاقتصادية. لذا فأنا اعتقد انه على حكومة اسرائيل ان تكون حذرة بشكل خاص حول هذا الموضوع». يعمل حوالي 70 الف فلسطيني في إطار الاجهزة الامنية للسلطة الفلسطينية. وحوالي 27 بالمئة من الميزانية الجارية مخصص للاجهزة الامنية، التي تستمر بالتعاون الامني مع اسرائيل، على الرغم من قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير في الاسبوع الماضي بوقفه.
عدم تحويل الضرائب والجمارك ـ هذه هي المرة الخامسة منذ بداية الانتفاضة الثانية ـ خلق وضعا غير اعتياديا داخل إطار اقتصادي غير اعتياديا في جوهره. وكرر بشارة انه لا يوجد اي احتمال للنمو الاقتصادي الحقيقي تحت الاحتلال العسكري ـ مع سيطرة على الحدود والحواجز الداخلية، مع «الاقتصاد المفقود» للمنطقة «سي» والفصل عن غزة. ومع كل ذلك فقد استمر بالحديث طوال الوقت عن الاصلاحات الاقتصادية التي يتطلع لها في اطار هذا الوضع غير الطبيعي الموجود.
منذ تعيينه وزيرا للمالية، ركز بشارة على تحسين الاداء في جباية الضرائب وبتقليص العجز في الميزانية الفلسطينية (والذي وفقا للعديد من التقديرات يقترب من حوالي ملياري دولار، حيث ان الميزانية الجارية نفسها للعام 2014 بلغت 4.21 مليار). في وضع «الاقتصاد الاسير»، كما هو لدى الفلسطينيين، فإن مجال المناورة الوحيد المتاح له هو في مجال السياسات المالية. التحسن في الجباية نابع من الاصلاحات الفنية والبيروقراطية ـ وايضا التحسن في نقل المعلومات المحوسبة من اسرائيل، الذي ساعد في تقليص فقدان الضرائب.
هذا حصل في فترة تولي يائير لبيد لوزارة المالية، حيث اشار بشارة إلى العلاقات المهنية الجيدة التي سادت بينهما. الضرائب لم تزداد، بل على العكس، فان بشارة يوصي بتقليص قيمة الضريبة للافراد والشركات وتوسيع الاعفاءات الضريبية على امل تشجيع النشاطات الاقتصادية. وذلك على عكس، وزير المالية السابق سلام فياض الذي رفع الضرائب للشركات والافراد اصحاب الدخول المرتفعة. «يقول بشارة: «انا امارس نهجا مختلفا». الامر الذي خلق هذا النموذج غير المعروف هو اتفاق اوسلو واتفاقية باريس الاقتصادية ـ التي كانت مدتهما المقررة 5 سنوات. «بنظرة إلى الوراء، هذا كان غير صائبا الدخول في اتفاق اوسلو، لو ان (الموقعين) كانوا يتوقعون انه سيستمر لعقدين من الزمن. فإن هذا وضع غير موجود ولا يمكنه ان يكون فاعلا. في المرحلة الانتقالية يمكننا ان نكبح، لنصلح هنا وهناك، ولكن على المدى البعيد لا يمكننا تطوير اقتصاد حقيقي».
مع كل ذلك، وعلى عكس ظروف مشابهة في الماضي، لا يوجد اجواء تحريض واحتجاج. من كان يسخن الاوضاع في السنوات الاخيرة ويوجه اصابع الاتهام إلى السلطة الفلسطينية، كانت نقابة الموظفين في الوظيفة العمومية. حيث عملت السطة منذ نهاية العام الفائت، وبتعليمات واضحة من مكتب محمود عباس، لاسكات المصدر الذي يتسبب بهذه المشاكل ـ تم اعتقال بعض القيادات والداعمين، وتم الاعلان عن النقابة بأنها غير شرعية. هذه المرة كانت هناك عدة مظاهرات ـ ولكن الشعارات التي تم رفعها خلالها وجهت اصابع الاتهام بإتجاه اسرائيل، وتجاهها فقط. الغضب والاحباط وجدا مخرجا في الشهر الاخير عن طريق مقاطعة منتجات الشركات الاسرائيلية ـ بمبادرة من مسؤولين كبار في فتح. ربما هناك يد موجهه وعلاقة بين إسكات النقابات المهنية ونشاطات تفريغ البخار، وربما لا. ولكن النتيجة واحدة ـ القلق والضائقة الاقتصادية لعشرات الآلاف من العائلات والضرر المتدحرج للقطاع العام ولقطاع الخاص ليس محصنا هذه المرة.
اصحاب الاعمال يشكون من الشيكات المرتجعة، وعن النقص في إصدار الفواتير بسبب قلة عدد المشترين، والعائلات تقترض ممن هو ممكن الاقتراض منه ـ من الاقارب ومن الاصدقاء غير المرتبطين بالرواتب الحكومية، والذين يعملون في اسرائيل، من البنوك من اصحاب البقالات المجاورة. وهذا هو الشهر الثالث التي تؤدي به السلطة نشاطها بوضع من الطوارئ، حيث تقطتع قدر الامكان من النفقات الجارية، والبنوك تلقت تعليمات من سلطة النقد الفلسطينية بعدم تقاضي عمولة عن الشيكات المرتجعة.
يقول بشارة «احيانا كثيرة يتم سؤالي وفي اوقات متقاربة إلى متى يمكننا الاستمرار والبقاء هكذا»، «ان الامر متعلق بتعريف كلمة البقاء». حتى في الإطار غير الطبيعي الاعتيادي، المعطيات الاقتصادية تستمر في ان تكون بمعدلات التراجع، والحرب على غزة ضاعفت من صعوبة الوضع الذي كان صعبا بما فيه الكفاية. ووفقا لاقوال بشارة فإن معدل البطالة هو 26.2 بالمئة، وفي غزة لوحدها 40 بالمئة، وفقط اثنين او ثلاثة من بين عشرة من خريجي الجامعات يجدون عملا.
بالاضافة إلى ان (الناتج المحلي الاجمالي) الطبيعي للفرد في السنة انخفض، وفقا لبيانات مكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني، في الربع الثالث من العام 2014 وصل إلى 407.9 دولار فقط، اي انخفاض بنسبة 9.8 بالمئة مقابل الربع الثاني من السنة وانخفاض بنسبة 10 بالمئة عن العام الفائت. والوضع في الضفة اقل خطورة، فإن الهبوط كان «فقط» 3.4 بالمئة و- 1.1 بالمئة على التوالي ـ والناتج الاجمالي هو 556.1 دولار. وانخفض في غزة إلى 194.7 دولار ـ اي هبوط بنسبة 29 بالمئة مقابل الربع السابق وحوالي 34.1 بالمئة مقابل نفس الفترة من العام الفائت.
وفقا لاقوال بشارة، مع كل ذلك فإن الفلسطينيون صامدون، حيث يتمتعون بقدرة على التحمل والصبر والتضامن الداخلي بصورة مدهشة، وعندما سئل: ولكن لماذا نستمر بموازنة الوضع القائم المضر للفلسطينيين والمفيد للاسرائيليين. اجاب انه كإقتصادي ( من كبار المسؤولين في البنك العربي في السابق) تقبل مهمة مهنية وعليه ان ينفذها ـ طالما ان المستوى السياسي قرر ذلك.
«لدينا قيادة حكيمة جدا، ولا تنظر فقط إلى المدى القريب. فهي ترى ابعد من ذلك، انها ترى المستقبل»، السلام الذي يضمن الازدهار للشعبين، يقول بشارة، ولكنه يضيف ان «هذا (الاداء الاقتصادي) سيستمر بالعمل إلى ان يتوقف. وفي يوم من الايام سيتوقف هذا عن العمل. حسب تقديري خلال سنة او سنة ونصف ـ ربما اقل ـ فإن الامر سيخرج عن نطاق السيطرة. انه من الصعب علينا الاداء هكذا. انني اشك انه باستطاعتنا ان ندير حوارا هادئا بعد سنة. مثل المرض، مثل المرض العضال حيث في بدايته في المرحلة 1 او 2 من الممكن ان نتدبر معه، ولكن عندما نصل إلى المرحلة 4 فلا يمكن معالجة ذلك».
هآرتس