«الواقعيّة» السعوديّة شرط مُسبق لنجاح التسوية مع إيران: لا أرباح للمملكة و«تقاسم» للرئاسة الأولى والثالثة في لبنان ابراهيم ناصرالدين
الحوار المسيحي – المسيحي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية حول التحديات الوجودية الكبرى التي يواجهها المسيحيون اللبنانيون والمشرقيون، لن يفضي الى اي نتائج عملية او جوهرية يمكن ان تغير من معالم هذا الدور انطلاقا من كونهم مكون مسيحي قائم بذاته، فالحديث عن المصائر التي تنتظرهم تستلزم تصورات تتجاوز موقعهم في لبنان والشرق ودورهم ورسالتهم الى ما هو اكثر واقعية ويتعلق بخياراتهم السياسية والاستراتيجية في سياق الصراع المفتوح في المنطقة بين معسكريين واحد تقوده ايران والاخر تديره السعودية.
فلم يعد مطروحا اليوم اعادة البحث في حق المسيحيين وتنمية قدراتهم الذاتية في لبنان والمنطقة، فلا واقعهم الديموغرافي يسمح لهم باعادة طرح مسالة استعادة الصلاحيات الرئاسية، ولا الاستراتيجية الغربية مهتمة اصلا بهم باعتبارهم مكون يمكن التعويل عليه لتمرير مصالح الغرب في المنطقة. ورغم المخاوف والشكوك التي تساورهم فيما يراقبون اندثار الاقليات والعبث بوجودها وحضارتها وتاريخها والذي يصل الى حد الاقتلاع، فان كل طرف يعول على انتصار معسكره في المنطقة، واذا تجاوزنا البيانات الانشائية، تقول اوساط مسيحية في الثامن من اذار، فثمة استحالة للتوصل الى تصور موحد في مواجهة هذا التهديد الوجودي، لانعدام القدرة وغياب الحد الادنى من التفاهم حول موقع المسيحيين في الصراع القائم، ولذلك ما يحصل ليس الا تقطيع للوقت بانتظار التفاهم الايراني – السعودي الذي سيحسم مصير رئاسة الجمهورية دون ان يقدم الكثير في مسألة تفعيل الدور المسيحي في الشرق لاسباب موضوعية. فهل اقتربت هذه التسوية؟ وما هي شروطها وانعكاساتها لبنانيا؟
الجواب على السؤال الاول مرتبط برغبة السعوديين في الجلوس على «الطاولة»، وبحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت، لا توجد مؤشرات جدية توحي بذلك حتى الان، فأي تسوية سعودية – ايرانية في ظل موازين القوى الراهنة تعني ان الرياض بدأت تتعامل مع التطورات بواقعية شديدة، اي بمعنى آخر قبولها بتقديم تنازلات جوهرية في مختلف ساحات المواجهة مع ايران، فطهران لا تجد نفسها مضطرة الى الذهاب الى تسويات لا تعكس حقيقة التبدلات الجوهرية في الوقائع السياسية والميدانية في المنطقة، فعندما يتحدث قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري عن التأثير المتزايد للثورة الإسلامية في العالم الإسلامي وعن فتح مرحلة تصدير الثورة فصلاً جديداً، ويواكبه قول مستشاره الجنرال حسين الهمداني إن العسكريين الإيرانيين حرروا 85 في المئة من الأراضي السورية وأن «الحرس الثوري» باشر إنشاء مجموعات جديدة في سورية وأنشأ 42 لواء و140 كتيبة تقاتل إلى جانب الجيش السوري معتبراً ذلك من أهم إنجازات قوات «الباسيج»، وعندما يقود قاسم سليماني عمليات تحرير تكريت، فهذا يعني ان ثمة حقبة جديدة قد فتحت في المنطقة.
في السعودية يقرأون هذه التصريحات على انها استراتيجية ايرانية تعتمد على سياسة القضم لتوسيع النفوذ الإقليمي، فطهران تطلب الحوار لتثبيت الاعتراف بما حققته من نجاحات ميدانية لترجمته بالسياسة، وهم يعتقدون ان طهران تستبق إمكان الاتفاق مع الدول الغربية على البرنامج النووي بالسيطرة الميدانية لفرض الوقائع في موازاة التفاوض مع الدول الكبرى. ماذا يعني ذلك؟
يعني بكل بساطة، تقول الاوساط الديبلوماسية، انه لا يمكن ان تحصل تسوية في اليمن دون شراكة كاملة لانصار الله في الدولة اليمنية الجديدة، شراكة يتحدد حجمها ودورها بحجم المعطيات الميدانية التي تجعل ايران شريكا واقعيا في هذا البلد الذي تعودت السعودية على ادارته لوحدها، لكن لا عودة اليوم الى الوراء والخيارات السعودية هناك احلاها مر، فاما تتقبل هذه الشراكة «بطيبة خاطر» او تستمر في العناد وهذا سيطيل عمر الازمة في «حديقتها الخلفية» المفتوحة على كل احتمالات الانفلات الامني في منطقة شديدة الحساسية دون اي ضمانة بعدم انتقال شرارة الاحداث الى الداخل السعودي، وهنا لا يمكن فهم المناورات العسكرية لانصار الله والجيش اليمني على الحدود السعودية الا في هذا السياق.
وفي العراق تشير تلك الاوساط، الى ان السعودية خرجت مرة جديدة من «الباب الضيق»، فالرهان مجددا على واقع يفرضه الاميركيون في المعادلة العراقية بعد «غزوة» «داعش» للمناطق السنية ومحاولة الرياض الاستثمار على هذا الواقع، سقط على «ابواب» تكريت بعد ان اسعادت طهران زمام المبادرة ونجحت في تحييد الائتلاف الدولي عن التحكم في سير المواجهات العسكرية في الحرب على الارهاب، وباتت تتحكم في مسار العمليات على الارض ما يقطع الطريق امام اي توظيف سياسي للاحداث العراقية في السياسة، وهذا يعني ان اي حلول مقترحة للازمة العراقية لن تكون الا بالشروط الايرانية حيث لن تسمح طهران للرياض باي دور يضاهي واقع حضورها في بلاد الرافدين، خصوصا ان الاميركيين لم يظهروا خلال الفترة الماضية اي اهتمام بحجز مكان مرموق لحليفتهم على طاولة المفاوضات وكان البحث عبر الطرف العراقي يتمحور حول تنسيق «التعايش» الموضوعي بين المصالح الايرانية والاميركية دون اي التفاتة جدية الى ما تريده السعودية من «موطىء قدم» داخل المنظومة السياسية المذهبية في العراق.
اما الازمة السورية فهي الاكثر احراجا للملكة العربية السعودية بعد ان تجاوزت في مواقفها كل ما يتعلق بقواعد «الفطنة» الديبلوماسية و«احرقت مراكب» العودة، فطهران بعد ان وضعت كامل ثقلها خلال اربعة اعوام من الحرب لدعم الدولة السورية، ونجحت في تحصين النظام وقلبت ميزان القوى لصالح الجيش السوري لن تقدم اي تنازلات تمنح الرياض نجاحات مجانية لا تستحقها، فبعد ان اصبح البحث في مصير الرئيس بشار الاسد خارج سياق اي تسويات مفترضة، فان حصول الرياض على اي مكاسب جدية امر مشكوك فيه، فاي تسوية يجب ان تمر عبر القيادة السورية الحالية التي لا تجد نفسها مضطرة الى اعادة التواصل مع السعوديين الذين خسروا كل اوارق قوتهم في الميدان السوري وباتوا خارج القدرة على التاثير السياسي والعسكري، وهذا ما يجعلهم خارج المعادلة السورية.
ولا يتبقى من ساحات الصراع الا الساحة اللبنانية، حيث ما تزال السعودية تحتفظ بالقدرة «التعطيلية» من خلال تيار المستقبل ومن معه من حلفاء في 14آذار، هذا الدور لا يسمح لها بالتأثير على الفريق الاخر الذي نجح في «ترويض» «خصومه» ودفعهم الى الانكفاء والتراجع خطوة الى الوراء، وهذا يجعل من اي تسوية مفترضة في لبنان تقوم على «شراكة» واقعية ستجد ترجمتها العملية في الاستحقاق الرئاسي وفي تقاسم السلطة التنفيذية، وهذا يعني عمليا تكريس معادلة «رئاسة الحكومة مقابل رئاسة الجمهورية»، وهذا يعني عمليا ان عودة الرئيس سعد الحريري الى منصبه السابق سيتزامن هذه المرة مع انتخاب رئيس محسوب على محور المقاومة وهو حتى اشعار آخر الجنرال ميشال عون. ودون ذلك لن تمر اي تسوية.
هذه المقاربات هي الترجمة العملية للوقائع السياسية والميدانية في المنطقة، والوصول الى تسويات يحتاج الى تواضع السعودية وتراجعها عن «العناد» الذي يزيد من خسائرها، فاذا ما ارادت وقف النزيف عليها الجلوس على الطاولة والتسليم بالامر الواقع، ودون ذلك سيستمر الصراع ويتصاعد، لكن في ذلك مجازفة كبيرة قد تزيد من الخسائر لان ما يمكن ان تقبل به طهران اليوم قد لا يكون مقبولا في الغد. اما الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية فلن يفضي الى اي نتائج حاسمة لان «الجنرال» يدرك جيدا ان «الحكيم» لا يملك قرار رفض اوقبول وصوله الى بعبدا لكنه مكلف بدور تعطيلي بانتظار ان تحسم السعودية خياراتها.
(الديار)