مقالات مختارة

خيارات إجبارية لمنع الانهيار: براك ربيد

 

في بداية نيسان 2009 دخل بنيامين نتنياهو للمرة الثانية إلى منصب رئيس الحكومة. لقد عاد إلى المكتب الاكثر أهمية في الدولة وهو مسلح بالكثير من الطموحات السياسية وبعدد من المساعدين المخلصين، ليس أكثر من ذلك. رغم عشر سنوات من التيه في الصحراء السياسية وفي مقاعد المعارضة فقد عاد نتنياهو إلى المنصب بدون استراتيجية أو برنامج عمل لمعالجة القضايا السياسية الكبيرة التي وضعت في حينه على طاولته.

حينذاك أعطى نتنياهو ورجاله للصحافيين الاسرائيليين والدبلوماسيين الاجانب الذين لديهم حب الاستطلاع وبدأوا يتساءلون كيف ينوي معالجة مواضيع مثل العملية السياسية والوضع في غزة في أعقاب عملية «الرصاص المصبوب» والعلاقات مع سوريا والبناء في المستوطنات، أعطى جوابا سحريا. «نحن نبدأ بعملية اعادة فحص السياسات». نتنياهو ورجاله تعهدوا في نيسان 2009 بأن تنتهي العملية حتى سفره إلى الولايات المتحدة وبعد مقابلته الاولى مع براك اوباما في البيت الابيض في 18 أيار.

أخيرا انتهى «الفحص المجدد» للسياسات بوثيقة من ثلاث صفحات صاغها مستشار نتنياهو رون ديرمر قبل سفر نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وتضمنت في الاساس رسائل إعلامية حول الامور التي اسرائيل غير مستعدة للقيام بها.

عدد ليس قليل من الموظفين الكبار الذين خدموا في الجهاز الحكومي في السنوات الستة الاخيرة، بعضهم ترك الخدمة وبعضهم ما زال هناك، يزعمون أنه فعليا وطوال الولايتين الاخيرتين لنتنياهو لم تكن له في الحقيقة استراتيجية أو برنامج منظم بخصوص القضايا السياسية الامنية الموجودة على برنامج العمل. في اغلب الحالات هو يُجر خلف الاحداث، والسياسات ـ اذا كانت هناك سياسات ـ تمت بلورتها من خلال الحركة.

العديد من الازمات والحروب ومبادرات السلام وحتى التغيرات السياسية مرت في السنوات الستة الاخيرة على العالم بشكل عام وعلى الشرق الاوسط بشكل خاص. رغم ذلك جزء كبير من القضايا التي كان يجب على نتنياهو أن يبلور نحوها استراتيجية في 2009 بقيت على حالها في 2015 مع فرق واحد ـ أصبحت أكثر تعقيدا مما كانت. فيما يلي قائمة جزئية:

الخلاف مع الولايات المتحدة

خطاب نتنياهو في الكونغرس في الاسبوع الماضي أدى إلى مستوى غير مسبوق من الشرخ العميق في العلاقات بين البيت الابيض في واشنطن ومكتب رئيس الحكومة في القدس. تصعب المبالغة في كبر الاهانة لاوباما ورؤساء الادارة تجاه نتنياهو وبالضرر الذي اصاب العلاقات بين الدولتين بعد هذه الازمة المستمرة.

في البيت الابيض لن يقولوا ذلك في أي يوم، ولن نكون مخطئين اذا قدرنا أن اوباما ورجاله يفضلون رؤية اسحق هرتسوغ رئيسا للحكومة القادمة. رغم ذلك، حتى في الاستطلاعات الاخيرة، كان تقدير الادارة الامريكية أن احتمالات استمرار نتنياهو في ولاية اخرى أكثر من احتمالات قيام هرتسوغ باحداث انقلاب سياسي.

اذا نجح هرتسوغ في الانتخابات وشكل الحكومة فسيكون من السهل عليه نسبيا اصلاح العلاقات مع البيت الابيض. وبكلمات اخرى، مع ذهاب نتنياهو ستختفي السحابة التي تعكر العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة. ما سيبقى لهرتسوغ هو تعيين شخصية رفيعة، رسمية ومجربة، لمنصب السفير في واشنطن، وأن يبدأ في بناء شبكة حميمية من علاقات الثقة مع اوباما. نقطة الانطلاق لذلك ستكون أفضل بكثير من التي كانت لنتنياهو في يوم ما.

إن حل ازمة العلاقات مع البيت الابيض سيكون معقدا أكثر اذا استمر نتنياهو في ولاية اخرى. كبار رجال الادارة الامريكية يرون في نتنياهو جزءً من المشكلة وليس جزءً من الحل، لكنهم يفهمون أنهم سيضطرون إلى العمل معه اذا تم انتخابه. رغم ذلك ومن اجل العودة إلى علاقات عمل سليمة مع اوباما فان على نتنياهو تنفيذ عدد من الاجراءات المؤلمة من جهته. الخطوة الاولى ستكون تنحية المقرب منه السفير في واشنطن رون ديرمر، المقاطع من البيت الابيض، واستبداله بشخص مهني ليس له توجها سياسيا يكون رجال الادارة الامريكية مستعدون للتعامل معه.

الاتفاق مع إيران

رغم أن الفجوات في المفاوضات بين الدول العظمى وإيران ما زالت كبيرة، فان الطرفين سيبذلان ما في استطاعتهما من اجل التوصل إلى اتفاق حتى الموعد المحدد لذلك في نهاية حزيران. رئيس حكومة اسرائيل القادم الذي سيؤدي القسم في أيار سيضطر إلى التأثير خلال الشهرين الأولين لولايته في صيغة الاتفاق الآخذ في التبلور بقدر استطاعته. وأكثر من ذلك، رئيس حكومة اسرائيل القادم سيضطر إلى البدء بسرعة بالاتصالات مع الولايات المتحدة والدول العظمى بخصوص اليوم التالي للاتفاق. اسرائيل ستكون ملزمة بالتنسيق مع الادارة الامريكية والدول المشاركة في المفاوضات فيما يتعلق بموضوع ـ ما يعتبر خرقا للاتفاق من جانب إيران وما هي العقوبات وخطوات الرد على هذا الخرق. اضافة إلى ذلك، نتنياهو وكذلك هرتسوغ سيضطران إلى التوصل إلى تفاهمات مع البيت الابيض بخصوص أي ضمانات امنية تستطيع اسرائيل الحصول عليها من الامريكيين في أعقاب الاتفاق مع إيران.

العلاقات مع السلطة الفلسطينية

العلاقات مع الولايات المتحدة هي جنة عدن مقابل الازمة الشديدة التي وصلت اليها اسرائيل مع الفلسطينيين. قائمة عناصر هذه «الطبخة» القابلة للانفجار طويلة: فشل محادثات السلام، القطيعة بين القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية، تجميد الوضع السياسي، محاولة الفلسطينيين تمرير قرار أحادي الجانب في مجلس الامن يحدد الأسس لحل الصراع، الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي وتقديم دعوى ضد اسرائيل حول عملية «الجرف الصامد» في غزة والبناء في المستوطنات، خطوات الرد الاسرائيلية التي شلت الاقتصاد الفلسطيني، الخطر من وقف التنسيق الامني وانهيار السلطة.. الخ.

في الحملة الانتخابية الحالية أظهر نتنياهو وهرتسوغ علنا الشك تجاه احتمال التوصل إلى اختراق سياسي أمام الفلسطينيين. تحفظ نتنياهو من خطاب بار ايلان ومن حل الدولتين وزعم أن الأمر ليس ذا صلة مع الواقع الراهن. هرتسوغ قال إنه سيحاول تحريك عملية السلام بل سيسافر لالقاء خطاب سياسي أمام المجلس التشريعي في رام الله، لكنه أظهر الشك بوجود شريك فلسطيني جدي.

الفرق الأساسي بين نتنياهو وهرتسوغ في الموضوع الفلسطيني لا يتعلق بهذه المواقف بل فيما يتعلق بالعلاقة التي يحظون بها من الجانب الفلسطيني. خلافا لنتنياهو، لاسباب تتعلق ببقائه السياسي ويتنكر ويتملص بخصوص مواقفه في الشأن الفلسطيني، فان هرتسوغ مستعد لتأييد هذه المواقف بصورة علنية. بالضبط لهذا السبب فان الفلسطينيين والمجتمع الدولي لا يثقون بأن نتنياهو جدي في توجهاته، في حين أنه يُنظر لنتنياهو في هذه المرحلة بأنه حقا يريد دفع عملية السلام.

أي كان من سيتم انتخابه فان مهمة رئيس الحكومة القادم ستكون قبل كل شيء وقف التدهور أمام الفلسطينيين وتثبيت العلاقات معهم. سواء هرتسوغ أو نتنياهو سيكون عليهما ايجاد استراتيجية توقف تصعيد المواجهة الدبلوماسية مع الفلسطينيين في الامم المتحدة، وتوقف الانهيار الاقتصادي للسلطة وتمنع اندلاع انتفاضة ثالثة.

البناء في المستوطنات

إن عقب أخيل الاساسي في علاقات اسرائيل مع المجتمع الدولي هو البناء في المستوطنات. ليس هناك موضوعا جر اسرائيل إلى مواجهات سياسية أكثر منه مع حلفائها في العالم في السنوات الاخيرة. على خلفية التهديد الحقيقي بفرض عقوبات دولية فان فضاء المناورة لأي حكومة ستنشأ في اسرائيل بعد 17 آذار في موضوع الاستيطان سيكون صفر. وكلما كانت الحكومة يمينية أكثر فان فضاء المناورة سيتقلص أكثر.

معظم رؤساء الاحزاب الذين سيكونون جزءً من الكنيست القادمة يفهمون جيدا هذا الواقع، حتى لو كانوا لا يتفقون معه أو غير مستعدين للاعتراف بذلك علنا. هكذا مثلا بنيامين نتنياهو الذي تحدث بصوت عال في الحملة الانتخابية عن دوره في الاستيطان، قام بتجميد البناء في القدس بهدوء لبضعة أشهر. نفتالي بينيت وأوري اريئيل ربما احتجا على ذلك علنا، لكن في الغرف المغلقة فهما الدوافع وقبلا هذه السياسة.

على الاقل خمسة احزاب عبرت علنا عن تأييدها لتجميد البناء في المستوطنات وفي شرقي القدس ـ القائمة العربية المشتركة وميرتس تدعمان التجميد الكامل. المعسكر الصهيوني ويوجد مستقبل وكلنا (كحلون) يدعمون التجميد الجزئي للبناء ـ في الاساس في المستوطنات خلف الجدار الفاصل أو خارج الكتل الاستيطانية الكبرى. اذا وقف نتنياهو على رأس الحكومة القادمة أو وقف على رأسها هرتسوغ ـ فان تجميد البناء في المستوطنات لن يكون مسألة هل، بل مسألة كم وكيف والى متى.

منع الحرب في غزة

بعد أكثر من نصف سنة على عملية «الجرف الصامد» فان الواقع في غزة لم يتغير. صحيح أن اطلاق النار توقف ولكن غزة بقيت قنبلة موقوتة. الوتيرة البطيئة لعملية الاعمار، الازمة الاقتصادية والانسانية في القطاع، زيادة الحصار المصري على حماس وفشل المصالحة الداخلية الفلسطينية، كل ذلك يخلق الشعور لدى الطرفين أن جولة العنف القادمة هي مسألة وقت.

احدى المهمات الاساسية لرئيس الحكومة القادم ستكون منع الحرب في غزة وايجاد تغيير بعيد المدى للواقع في الجنوب.

لا يوجد لدى نتنياهو برنامج حول كيفية القيام بذلك. فقد قرر انهاء «الجرف الصامد» بالاساس عن طريق الرجوع إلى الوضع القائم الذي كان سائدا قبل الحرب على أمل أن التدمير الكبير الذي خلفه الجيش الاسرائيلي في القطاع سيشكل رادعا يعطي وقتا طويلا من الهدوء الامني.

هناك مواضيع كثيرة سوى هذه التي تم عرضها ـ دفع مبادرة اقليمية تجاه الاردن ومصر ودول الخليج تؤدي إلى اختراق في علاقات اسرائيل مع العالم العربي على أساس المصالح المشتركة بشأن الموضوع الإيراني ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش ووقف المس بمكانة اسرائيل في اوروبا ووقف عقوبات اوروبية اخرى على اسرائيل واصلاح العلاقات مع المانيا وفرنسا وبريطانيا، وكذلك بلورة استراتيجية لوقف التباعد بين الجالية اليهودية في الولايات المتحدة التي في اغلبها ليبرالية ديمقراطية وبين اسرائيل، على خلفية قضايا مثل الاحتلال في المناطق أو عدم وجود تعددية دينية في اسرائيل.

أيا كان سيكون رئيس الحكومة القادم ـ سواء قام اسحق هرتسوغ بانقلاب سياسي أو بقي بنيامين نتنياهو في السلطة ـ لن يكون له وقت كثير لمناورة مماطلة على صيغة اعادة فحص السياسات من سنة 2009.

يتوجب عليه اتخاذ القرارات في مواضيع كثيرة ـ وسريعا.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى