تشاؤم «موضوعي» لبنانياً: الاتفاق النووي مؤجّل.. والرئاسة معلّقة نبيل هيثم
يعتقد كثيرون، في الداخل والخارج، بأن آذار الجاري هو شهر الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني. اكثر من ذلك، يذهب كثيرون أيضاً الى الجزم بأن هذا الاتفاق صار في حكم المنجز واقترب من مرحلة التوقيع، والايام القليلة المتبقية من هذا الشهر حاسمة على هذا الصعيد، خاصة بعدما أتمَّ الطرفان عملية تسويق هذا الاتفاق لدى حلفائهما، وهي العملية التي فرضت تأخير التوقيع حتى الآن.
ابعد من ذلك، ثمة من يسلك مساراً تفاؤلياً، يصل الى حد تبني مقولة «ما بعد آذار، نووياً، ليس كما قبله». في رأي هؤلاء المتفائلين ان حقبة جديدة ستنبلج، وستكون مفتوحة على ايجابيات ملموسة، وصولا الى علاقات وروابط ايرانية غربية لم يسبق لها مثيل منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران في العام 1979.
كل هذا المزاج التفاؤلي، يفرض نفسه في كثير من مفاصل السياسة اللبنانية، وبالتالي يجري ربط الاستحقاقات بحصول هذا الاتفاق، حتى أن البعض ذهب إلى تحديد شهر نيسان لانتخاب رئيس الجمهورية ربطاً بتوقيع الاتفاق النووي.. ما يعني أن أي تأخير في توقيع الاتفاق النووي سينعكس على انتخابات رئاسـة الجمهورية التي يبدو أنها ستبقى معلّقة.
لكن مسار الأمور على خط المفاوضات، يشي بأن كل الرهانات على آذار تبدو قائمة على شيء من المبالغة، والافراط في بناء الآمال، هذا ما تؤكده شروط الطرفين وكل الوقائع المحيطة بتلك المفاوضات، وكذلك التعقيدات الماثلة في طريقها والمتأتية بالدرجة الاولى عن الاشتباك الأميركي ـ الاميركي بين الجمهوريين والديموقراطيين وكذلك الاشتباك الاميركي الاسرائيلي، والتي خفضت منسوب التفاؤل. وهذا ما يؤكده ايضا، سفير دولة معنية مباشرة بالملف النووي.
يصدم هذا الديبلوماسي العارف بتفاصيل الملف النووي، كل المتفائلين بقوله إنه يفضل النظر الى الأمور كما هي، بحجمها من دون تقزيم او تضخيم، ومن هنا هو يتمنى «عدم الذهاب بعيداً في زرع آمال وأحلام في عالم ما يزال مزروعاً بالأشواك».
ومع ان الديبلوماسي المذكور لا يتجاهل اهمية المفاوضات النووية، مع التمني الى المدى الابعد في بلوغها النتائج المرجوة، بما يُخرج ايران من دائرة الحصار والعقوبات التي تطوقها منذ انتصار الثورة، لكنه في الجانب الآخر يقارب تلك المفاوضات بمنظارين: فمن جهة هو ملتزم بما يقتضيه موقعه الديبلوماسي من مقاربة مسار المفاوضات وفق التوجيهات الرسمية، اي بإحاطتها بالحديث عن ايجابيات منتظرة خلال هذا الشهر، وبتأكيد الرغبة بالوصول الى تفاهمات جذرية يبنى عليها ما يمكن بناؤه في الآتي من الايام، ومن دون الإتيان من قريب او بعيد على ما قد يفسر انه تشويش على سير المفاوضات.
وأما من الجهة الثانية، فإن مقاربــة المفاوضات النووية من زاوية الموضوعية والواقعية توصل الى حقيقة مخيــبة لآمال المراهنين على إيجابيات كبرى. يقول الديبلوماسي صراحة: «خلافاً لكل ما هو ظاهر من إيجابيات إعلامية، نحن متشائمون، ومسار الامور لا يبعث على التفاؤل، وإنما على التشاؤم، ولا أعتقد بالتالي أننا ذاهبون الى اتفاق نوعي هذا الشهر»!
التشاؤم، كما يفهم من كلام هذا الديبلوماسي، مرده الى مسألة اساسية وهي ان الولايات المتحدة ليست قادرة على ان تعطي إيران الثمن المطلوب لوقف برنامجها النووي، كما انها في الاساس لا تريد ان تعطي ايران الثمن المطلوب.
اكثر من ذلك، والكلام للديبلوماسي المذكور، فإن مرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، حدد السقف الذي يمكن ان تقبل به ايران للتخلي عن برنامجها او لتعليقه، لكن الاميركيين يضعون شروطاً تعتبرها ايران تعجيزية لا يمكن ان يقبل بها السيد خامنئي.
ومما لا شك فيه، يضيف الديبلوماسي، ان تطوراً ما قد طرأ على الموقف الاميركي. في السابق كان الاميركيون يطرحون الاتفاق على مراحل، مع وقف فوري للبرنامج النووي، اما في المفاوضات الراهنة، فهم اقترحوا في آخر عرض قدموه، ان يكون الاتفاق على مرحلتين. وهذا الطرح ترفضه ايران ايضاً وبشكل قاطع، وقد ابلغت ذلك الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية المعنية بالـ 5+1، وأكدت انها لا تقبل الا باتفاق كامل وشامل وعلى مرحلة واحدة. لذلك، والكلام للديبلوماسي المذكور، «نحن ذاهبون الى تأجيل جديد، اؤكد انه لن يتم اعلان الفشل، بل اعلان التأجيل، ربما الى حزيران المقبل او بعده بقليل، وذلك للبحث في التفاصيل، والمعلوم دائما ان الشياطين تسكن في الطوابق السفلى للتفاصيل».
هذه الصورة التي رسمها سفير دولة معنية مباشرة بالملف النووي، تتقاطع مع قراءة سياسية ـ ديبلوماسية «حذرة» لمسار المفاوضات واحتمالاتها، تنطوي على الخلاصات التالية:
ـ اولاً، أي اتفاق يمكن ان تفضي إليه المفاوضات النووية، هو لمصلحة إيران، أكثر من أي طرف آخر إقليمي أو دولي. فهل تقبل الولايات المتحدة والغرب بذلك؟
ـ ثانياً، الاميركيون من الاساس، قد لا يكون في نيتهم إعطاء إيران اتفاقاً كاملاً، ولو قرروا الوصول معها الى تفاهم او اتفاق، فهم سيسعون جهدهم ليكون هذا الاتفاق منسجماً مع موازين القوى الراهنة في المنطقة، وهذا ما لن تقبل به ايران التي تقول باتفاق شامل بكل الأثمان المترتبة عليه.
ـ ثالثاً، للأميركيين والاوروبيين نموذج معيّن من الحضارة والثقافة والديموقراطية، وفي المقابل ايران دولة منطلقاتها الفكرية والثقافية والحضارية من مكان آخر خاص بها، أي أن لها نموذجها الخاص في السياسة والحضارة والثقافة والحكم والديموقراطية والعلمية والاقتصادية خارج إطار النموذج الأميركي والغربي، وبالتالي هي قوة جديدة قوية ونامية ينبغي ان تحجز مكانها وموقعها في المنطقة والعالم. فهل وصل الاميركيون والاوروبيون معهم الى قناعة التسليم بضرورة نشوء هذا الكيان الجديد والمنافس، او بالأحرى التسليم بإيران القوية، أمراً واقعاً؟.. هذا موضع شك!
ـ رابعاً، ثبت للعالم كله، أن إيران قوة إقليمية عظمى، وهي برغم العقوبات والحصار، موجودة من حيث النفوذ في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق والبحرين وغيرها من دول الخليج.. وبالتالي لم يستطع المحاصِرون تطويقها بالكامل او إضعافها او وضع حد لها. بينما في المقابل كل حلفاء اميركا والغرب في المنطقة في حال تخبط وانحدار وقلق داخلي، من مصر الى السعودية، الى تركيا.. حتى اسرائيل والارباك الامني الدائم لها في الداخل او على الحدود مع لبنان وصولا الى الجولان. ما يعني وجود واقع قوي لإيران وواقع اقل قوة لحلفاء اميركا. فهل يمكن ان تُعطى ايران اتفاقا نوويا يريحها اكثر؟
ـ خامساً، معدلات التطور العلمي للدول تتراوح بين نقطتين الى اربع سنوياً، إلا أن إيران، وبرغم كل جو الحصار والعقوبات، صعدت ثلاث عشرة نقطة، فصارت موجودة في الفضاء، والتجارب متتالية وبنجاح، اضافة الى التكنولوجيا التي باتت تملكها في شتى المجالات، ولا سيما منها التسليحية الصاروخية، حيث جعلت التكنولوجيا هذا السلاح ليس فعالا ودقيق التصويب فحسب، بل حققت به التوازن في مواجهة أية مغامرات عدوانية يمكن ان تقوم بها اسرائيل او غيرها.
ـ سادساً، المنظومة النووية التي تملكها ايران، بلغت مرحلة صار من الصعب على العالم احتواؤها، اذ يوجد ما لا يقل عن 15 الف باحث في المجالين النووي والفضائي. وحتى في اسوأ الحالات لو تم استهداف المشروع النووي، فيمكن ان تؤخره لبعض الوقت وإنما لا تستطيع ان تلغيه. وثمة مقولة في ايران مفادها «تستطيعون ان تضربوا المعامل، ولكنكم لن تستطيعوا ان تضربوا العقول. فهل سيسلم الاميركيون والغرب بالأمر الايراني ويقدموا لها اتفاقاً نووياً يعزز من قدراتها ونفوذها.. هذا ايضا موضع شك؟
ـ سابعاً، إن المطلب الاساس للايرانيين هو رفع العقوبات بشكل كامل، والاستجابة لهذا المطلب هي التي تفرج عن الاتفاق النووي. ورفع العقوبات والحصار معناه انه لن يكون ممنوعاً على ايران التواصل مع دول العالم. وبالتالي فإن فتح العالم في وجه ايران معناه حصول امكانية تبادل تجاري وتأمين سيولة كبيرة من العملة الصعبة الى الخزينة الايرانية، فضلا عن ان رفع العقوبات سيؤدي حتماً وبشكل سريع الى الإفراج عما يزيد عن 120 مليار دولار محجوزة لدى بعض الدول بفعل العقوبات. فهل يمكن ان يسلم الاميركيون والغرب بهذا الواقع الايراني الجديد الذين يمكن ان يترتب على الاتفاق النووي الكامل؟
ـ ثامناً، إن قُيِّض للاتفاق الاميركي الايراني ان يولد كما تشتهي ايران، فمعنى ذلك أننا سنكون فعلا امام شرق اوسط جديد، تشكل فيه ايران دولة قوية.
وفي الخلاصة الإيرانيون يريدون الاتفاق الشامل، واذا ما تعذر ذلك فلا ضير أبداً من اتباع سياسة النفس الطويل كما حياكة السجاد وبالتالي لا مانع لديهم من تأجيل او تأجيلين او ثلاثة او حتى عشرة.. المهم أن البرنامج النووي مستمر ولن يتوقف.
(السفير)