سليمان فرنجية وصياغة المعادلات الدقيقة
ناصر قنديل
– من نافل القول وتحصيل الحاصل أن يتحدث شخص مثلي بالثناء والتقدير عن الوزير السابق النائب سليمان فرنجية، وشخص يعرف سليمان فرنجية ويراه رمزاً قيادياً منذ بداية تعاطيه الشأن العام، منتصف الثمانينات، وهو يشقّ طريقه الصعب ويتقدّم الصفوف بألمعية قيادية ونضج سياسي وحسّ وطني عال، وقيم أخلاقية حكمت كلّ ممارسته للسياسة في أشدّ الظروف صعوبة، وإصراره على مواصلة غرس مفهوم العلاقة بين السياسة والقيم السامية، كالوفاء والتواضع والثبات، وارتضاء الهزيمة عندما يهزم الحلفاء، وعدم التسابق مع الغير عندما ينتصر الخط السياسي الذي يشكل كثيراً من المرات رأس حربة فيه، فـ«يكفي أن ينتصر الخط السياسي ليصلنا حقنا»، وعدم الحرج من الالتزام بحماية دور المكوّن الاجتماعي المناطقي والطائفي الذي عقد له لواء الزعامة، عندما يشعر بوقوع المظلومية على هذا المكوّن، أو يستشعر إحساسه بالغبن أو الإحباط أو تعرّضه للتطاول، ويصير الشأن الخاص عاماً ووطنياً، وبالمقابل عدم التردّد في التصدّي لكلّ خلل في أداء المرجعية الدينية الطائفية، عندما تقارب الشأن العام بصورة تمسّ ما يعتقده ويؤمن به كثوابت وطنية.
– الحديث عن سليمان فرنجية كخلاصة لخبرة وتجارب وقيم ومفاهيم ودور ومكانة، يتخطى موضوع مقالة اليوم، فالموضوع هو فنّ صياغة المعادلات الذي اتسمت به أجوبته على الأسئلة المحبوكة، للحصول على جواب يصير خبراً، أو ينتج حدثاً، والخبر والحدث، هو من نوع، نعم أنا مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية، أو أؤيد طرح قانون الزواج المدني، أو أعارض الزواج المدني، والخبر والحدث، العماد عون يمثلنا أو لا يمثلنا في الحوار مع سمير جعجع، كما الخبر والحدث هو ننتظر أو لا ننتظر التفاهم الأميركي الإيراني.
– يقول فرنجية، ميشال سليمان أزاح فكرة كلّ رئيس وسطي، الاستحقاق الرئاسي خليط من السياسة المحلية والإقليمية والدولية، لن أصوّت لغير العماد عون وسليمان فرنجية لا يسعى إلى الرئاسة وأصير مرشح الثامن من آذار إذا انسحب عون من المعركة، أؤيد حوار عون وجعجع لأنه يخفف الاحتقان وإذا اتفقا على اسم مرشح رئاسي نعطي رأينا عندها، فأنا ملتزم بالعماد عون وليس بما يتفق عليه عون وجعجع، إذا هاجمت «داعش» مناطقنا فسأقاتل أنا والقواتي في نفس الخندق، مع البطريرك عندما يتكلم في المبدأ لكن في الواقعية السياسية شيء آخر، أفضل روكز على قهوجي وقهوجي على الفراغ كقائد للجيش، التكابر على التنسيق مع سورية خطأ استراتيجي يمكن أن ندفع ثمنه في المستقبل، نحن مع الزواج المدني لكن لا نعتبره أولوية تستحق التصادم مع رجال الدين المسيحيين والمسلمين في زمن التهديدات الوجودية، الرئيس الأسد رأس الحربة في وجه الإرهاب ويقاتل نيابة عن العالم، نحن مع محور المقاومة ولو كان مدعوماً من السعودية، الحرب السنية الشيعية لا تخدم إلا «إسرائيل»، دافعنا عن العروبة واليوم ندافع عن الوجود المسيحي، أتوقع ربيعاً ساخناً في القلمون، التفاهم الدولي مع إيران آتٍ وكلّ تسوية في المنطقة تؤثر في لبنان إيجاباً، صرف الموظفين ليس إصلاحاً وأنا مع الموظف، وقال فرنجية معادلات لا تقلّ دقة في مقاربته لشؤون اجتماعية تتصل بالدواء والجمارك والحوض الرابع في مرفأ بيروت، وقضايا مناطقية مثل المنطقة الحرة في ميناء طرابلس وتعيينات الجامعة اللبنانية في الشمال.
– البراعة والدقة واللباقة في صياغة معادلات أنيقة لغوياً وسياسياً، في مواجهة إشكاليات متعددة، وفي لحظة شديدة الصعوبة، ومن موقع زعامة بحجم سليمان فرنجية، ميزات تستحق أن يسمع صاحبها، كلمة تقدير وتحية، تعبيراً عن الإعجاب بمستوى الأداء في حوار يصلح ليكون نموذجاً عن كيف يمكن تخطي وقوع المحاور السياسي في مطبات هوائية، وكيف يمكن أن يصيغ معادلاته الدقيقة، التي ترسم صورته وصورة المرحلة وصورة الفريق الذي يمثل.
(البناء)