إيران والبصيرة السورية
غالب قنديل
عندما انتصرت الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني لم يستغرق الأمرالرئيس الراحل حافظ الأسد وقتا للتنبؤ بأن قوة حليفة صاعدة تشق طريقها في الشرق وتمثل تعويضا استراتيجيا لخسائر ما بعد اتفاقية كمب ديفيد التي اخرجت مصر بقدراتها وإمكاناتها وبثقلها النوعي من معادلات الصراع العربي الصهيوني .
اولا سارع الأسد إلى اتخاذ الخيار الكبير ببناء التحالف السوري الإيراني الذي ردع إسرائيل ونزع هيبتها وعزز خيار المقاومة والصمود في المنطقة وأحبط المشاريع الاستعمارية الصهيونية التي سعت لتثبيت منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وفرض سيادتها وتفوقها بمركزية حاسمة للدور الصهيوني وفقا لما فضحته مشاريع التسويات وفكرة الشرق أوسطية المؤسسة على جعل إسرائيل مركزا مهيمنا اقتصاديا في الوطن العربي تخدمه وظيفيا الدول المجاورة بينما استهدفت الهوية العربية بما سمي بالتطبيع وبتغيير شامل للمفاهيم والقيم الثقافية العربية بكاسحات إعلامية خليجية انفقت عليها المليارات بإشراف بريطاني اميركي مباشر وكان الهدف تكريس الخضوع العربي لإسرائيل العظمى بتصفية قضية فلسطين عبر ثنائية التهويد والتوطين .
القوة الإيرانية الاقتصادية والاستراتيجية شكلت سندا لسورية ولمنظومة المقاومة الناشئة منذ الثمانينات وشكلت الظهير المتين في معركة حاسمة ضد نموذج الوصاية الأميركية الصهيونية الذي أقيم في لبنان بعد اجتياحه عام 1982 فتم إسقاط اتفاق 17 أيار وانتصرت سورية على الحصار الأميركي الغربي في ثمانينات القرن الماضي وطورت إيران دعمها المفتوح لهذه المنظومة ولقلبها السوري حتى طرد الاحتلال الصهيوني دون قيد او شرط من جنوب لبنان والبقاع الغربي وقد أثبتت التجربة حيوية التحالف بين دمشق وطهران باجتيازه لأصعب الاختبارات في حصيلة احتواء الرئيس حافظ الأسد ببصيرته الاستراتيجية لنتائج انهيار الاتحاد السوفيتي واختلال المعادلات والتوازنات في العالم والمنطقة ولمسار التفاوض مع العدو الذي قاده بحزم لا يلين في التمسك بقضية فلسطين وبحقوق سورية في تحرير ترابها الوطني وبرفض الإذعان للمشروع الشرق اوسطي وحماية العروبة من الاستباحة الاستعمارية .
ثانيا ظلت دمشق في أصعب الظروف القلعة الحاضنة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وتبين الوقائع التي كشفتها الدكتورة بثينة شعبان في كتابها عن تلك الحقبة حقيقة الجمع المبهر بين الصلابة المبدئية والكياسة الدبلوماسية التي خاض بها القائد العربي التاريخي الرئيس حافظ الأسد مفاوضاته مع الرؤساء الأميركيين وموفديهم وبما يظهر قوة التمسك بالاستقلال وبرفض الخضوع للمشيئة الاستعمارية وهو استقلال سورية الذي تمسكت الدولة الوطنية السورية به وقامت بتحصينه عبر بناء اقتصاد وطني مستقل وغير تابع وبتطبيق نهج الاكتفاء الذاتي وعدم الارتهان إلى الخارج والشراكة المتينة مع حلفاء وأصدقاء يشتركون معها في نهج مقاومة الإمبريالية والاستعمار تتقدمهم الجمهورية الإسلامية التي احترمت على مر العقود هوية الجمهورية العربية السورية القومية والعلمانية وخياراتها التي تصب في مجرى المسار التحرري والمقاوم.
شكل تطوير التحالف الاستراتيجي مع إيران خيارا حاسما تبناه الرئيس الدكتور بشار الأسد استنادا إلى المنجزات التراكمية الكبرى التي حققها التحالف الوثيق بين البلدين حتى انتصار المقاومة في لبنان عام 2000 وانطلاقا من وعي استراتيجي عمقته خبرة التجربة قاوم جميع الضغوط الاستعمارية العاصفة لفك عرى التحالف بين بلاده وشريكها الاستراتيجي في محور المقاومة وقد بات الكثير من الحقائق معروفا عن رفض الرئيس بشار الأسد للعديد من عروض الترغيب والترهيب انصبت على محاولة النيل من تحالفه مع إيران وقوى المقاومة التي اجتازها هذا التحالف الإقليمي الذي بات محورا تحرريا يناضل من اجل حرية شعوب الشرق وتكريس روح الأخوة العربية الإيرانية بالكفاح المشترك وبقيم تقدمية في صدارتها الالتزام الوثيق بقضية فلسطين وباولوية التصدي للكيان الصهيوني .
ثالثا اليوم وبينما تتأهب إيران لحصاد ثمار صمودها الكبير في وجه الحصار الإمبريالي الذي استهدفها منذ انتصار الثورة يتجسد خيار التحرري في دعمها المتواصل لصمود الدولة الوطنية السورية في وجه العدوان الإمبريالي الصهيوني التكفيري ويتضح لكل من يفهم ويتصل بحركة الواقع في وعيه وإدراكه ان القوة الإيرانية هي سند حقيقي لدعم الكفاح الذي يخوضه السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون ضد الاستعمار والصهيونية وعصابات الإرهاب التكفيري التي استحضرها الغرب ورعاها لتدمير دول المنطقة وجيوشها الوطنية وقواها الحية ويظهر بكل وضوح مدى التصميم الإيراني على هذا الخيار بتوسيع إطار مشاركتها وانخراطها في معركة الدفاع عن الشرق العربي .
سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وقوى المقاومة هي الشريك الحقيقي لإيران في صمودها وفي ثماره ونتائجه وهي المؤهلة لتقديم امثولة في قوة البصيرة السورية للجميع فهي التي تبنت خيارا يخدم المصالح العربية في تثبيت الأخوة مع إيران ولو سمع الحكام العرب من الرئيس الدكتور بشار الأسد وتحرروا من إملاءات الغرب وتعليماته لكانوا وفروا الكثير على الامة العربية جراء ما كبدوها من الخسائر في حروبهم بالوكالة التي اعطوها عناوين التصدي للنفوذ الإيراني وفي سعيهم لإشعال الفتن واستخدام فصائل الإرهاب التفكيري بالأمر الأميركي ولتغير الكثير في واقع الأمة العربية لو انصتوا لنصح الرئيس بشار الأسد في التجاوب مع دعوات إيران المخلصة لقيام شراكة عربية إيرانية في مجابهة الكيان الصهيوني وخططه .
رابعا الحكومات العربية التابعة للغرب سوف تتسابق بالأمر الأميركي إلى طهران كما فعل النظام الأردني وكما تبرهن الكلمات المعسولة لأمير قطر في استقبال رئيس مجلس الشورى الإيراني الدكتور علي لاريجاني ولن يطول الأمر بأردوغان حتى يحمل معه عدة النفاق ويقصد العاصمة الإيرانية وكذا ستفعل ولو بعد حين حكومة المملكة السعودية التي تنظر بريبة لتسابق الأجرام الدائرة في فلكها الخليجي نحو العاصمة الإيرانية في السر والعلن ولعل فيها من يغمط سلطنة عمان على تمايزها التاريخي في الموقف من إيران .
الإرادة الاستقلالية الإيرانية تلاقت بالإرادة السورية العربية التحررية وتماثلت التجربتان في البناء الاقتصادي المستقل ولدى إيران اليوم الكثير مما تحتاجه سورية في بناء القدرات الاقتصادية وسط الحصار وفي ظل الحرب والخراب بالاعتماد على إمكاناتها الذاتية التي اقامت دولة بلا ديون فصمدت في وجه اجتياح العولمة والهيمنة الأحادية الأميركية الذي زلزل الاتحاد السوفيتي.
تطوير الشراكة بين دمشق وطهران إضافة إلى الشراكة السورية مع روسيا والصين وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وغيرها من دول البريكس ستقدم النموذج السوري المرتقب في إعادة البناء الوطني وفي مجالات التكنولوجيا الصناعية والتقدم العلمي في ظل تصميم الشعب العربي السوري وقواته المسلحة بقيادة الأسد على تحقيق النصر في مجابهة العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي وهذه الجمهورية القومية العملانية المستقلة والمقاومة تنطلق إلى انتصارها كموقع قومي عربي وأممي متقدم وكنموذج للأخوة العربية الإيرانية ولمضمونها الحضاري العلمي والتاريخي وهي امثولة لكل العرب بين المحيط والخليج في قوة البصيرة السورية.