العروبة والمعركة القومية
غالب قنديل
التهديدات والمخاطر الراهنة التي تستهدف البلاد العربية عابرة للحدود وحلف العدوان الغربي الصهيوني التكفيري الذي يشد وثاق أطرافه على جميع المستويات يعمل بقيادة مركزية تتقدمها الولايات المتحدة وينسق حركة اطرافه وأذرعه في كل مكان من البلاد العربية بين المحيط والخليج وبينما يتحد الرجعيون العرب ويتساندون يستمر تحدي بناء قيادة اركان المعركة القومية.
اولا ليست مصادفة عفوية كلمات الجنرال مارتن ديمبسي التي تبطن انزعاجا كبيرا يبلغ حد الغضب من تقهقر داعش في بعض المناطق العراقية تحت تأثير عمليات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ووحدات من أبناء العشائر العراقية وكلامه عن ما أسماه بالصبر الاستراتيجي وعدم الاستعجال يكشف الرغبة الأميركية في إطالة امد الاستنزاف في المنطقة بينما تسعى الولايات المتحدة لحشد قدرات حكومات الخليج وتركيا وإسرائيل في مواصلة استنزاف الدولة الوطنية السورية واعتراض طريق تقدمها الهجومي السياسي والعسكري في تفكيك معاقل الإرهاب وتحرير المزيد من المناطق السورية .
الخطة الأميركية للسنوات العشر المقبلة التي اوحى بها مركز ستراتفور مؤخرا تقضي بمواصلة ضرب الدول الوطنية العربية ومنع قيامها بواسطة عصابات الإرهاب التكفيري وهي تركز خططها في مصر والعراق وسورية وليبيا واليمن وثمة استهداف اكيد للدولة الوطنية الجزائرية انطلاقا من بؤر الإرهاب المغاربية والأفريقية المجاورة .
فقد كشف مركز ستراتفور المرتبط بالمخابرات المركزية الأميركية في توقعاته للعقد المقبل محاور التخطيط الأميركي لتفكيك روسيا الاتحادية ولمحاصرة الصين وإدامة الاضطراب في البلاد العربية بواسطة التحدي الإرهابي المقيم والذي يرغب الأميركيون في ان يكون مديدا وهم مصممون على الدور المحوري لتركيا مرجعية تنظيم الأخوان المسلمين في المنطقة وراعية فصائل الإرهاب والتكفير بالشراكة مع السعودية وقطر .
ثانيا العروبة هي الرابطة الشعبية والثقافية والتاريخية في مقاومة الصهيونية ولمواجهة التهديد الإرهابي الذي ليس سوى اداة الحرب الاستعمارية بالوكالة التي تقودها الولايات المتحدة لمنع تبلور قوة او كتلة عربية مستقلة صاعدة مهيأة لتكون شريكة في رسم المعادلات الجديدة في العالم وهو ما يجري بالتناغم والشراكة مع الكيان الصهيوني السائر في خيار التهويد وتصفية قضية فلسطين تحت ستار دخان الحرائق التي أشعلها التكفيريون وهم يوسعون انتشارها وتنخرط في هذه الخطة الجهنمية لتدمير فرص قيام نزعة العروبة التحررية والاستقلالية جميع الحكومات الرجعية التابعة للغرب التي خضعت لتعميد الشريك العثماني الصهيوني في منظومة الهيمنة بالأمر الأميركي وهو ما يستدعي مجاهرة قوى المقاومة والاستقلال العربية المناهضة للهيمنة الاستعمارية الصهيونية بالتحالف الاستراتيجي مع إيران الشريك الإقليمي الموثوق ومع روسيا وإيران وجميع مناهضي الهيمنة الأميركية في العالم .
سورية هي القلعة المهيأة لقيادة عملية النهوض القومي انطلاقا من الشراكة مع العراق وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية والقوى الثورية اليمنية والدولة الوطنية في الجزائر وبانتظار تبلور الخيارات المصرية فلا خيار امام القيادة المصرية سوى الانحياز إلى هذا الاتجاه والتصدي للضغوط السعودية التي تستهدفها بالابتزاز الذي لا يترك غير دعوة مفتوحة لتسليم مصر مرة اخرى للحكم الأخواني الذي رفضه الشعب والجيش في مصر وبينما يواصل تنظيم الأخوان توليد حركات التكفير والإرهاب في طول المنطقة وعرضها.
ثالثا العروبة هي الهوية الجامعة التي تصدت بها بلداننا للنير العثماني الاستعماري ولعهود الانتداب الاستعماري ولغزو فلسطين ونهوضها اليوم هو نقيض التفتيت والتقسيم الطائفي والمذهبي وهي الوعاء الوحدوي الوحيد الممكن للشعب العربي في كل مكان .
الاستجابة للتحديات التاريخية تستدعي قيام حركة مقاومة شعبية ضد الصهيونية والاستعمار والتكفير الإرهابي ومشروعها هو الدولة الوطنية المدنية التي أثبتت التجربة السورية انها ضمانة الوحدة الوطنية للشعب وبرنامجها هو الاستقلال والتنمية والرعاية الاجتماعية لبناء قدرات اقتصادية إنتاجية مستقلة تقيم شراكات ندية مع الحلفاء وتتصدى للهيمنة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة ببناء قدرات ذاتية متينة وصلبة بالاعتماد على الموارد القومية وحدها .
جميع الهويات المفارقة او المتممة التي يروج لها البعض لا توفر ما تقدمه العروبة من قوة اندفاع واستقطاب بشرط صياغة خطاب حديث ومعاصر يقدمها من ضمن مشروع للمقاومة والنهوض التحرري. من يتوهم القدرة على خوض المعركة في الساحات والميادين القطرية بمعزل عن الإطار القومي الأشمل مخطيء وقد أصاب قائد المقاومة السيد حسن نصرالله عندما اعلن إسقاط الحدود بين الساحات والميادين في المواجهة ضد العدو الصهيوني .
أضعف الإيمان هو ان يعتبر المناضلون والمقاومون من طبيعة حركة القوى المعادية الموحدة والتي تتوزع الأدوار في كل مكان من الوطن العربي فلا خلاص لسورية منفصلا عن لبنان والعراق وفلسطين ومصر وليبيا واليمن والجزائر وسواها من الدول العربية والمخططون الاستعماريون سوف يستخدمون آخر نقطة لنفوذهم في منع استقرار اي من الدول العربية غير الخاضعة للهيمنة أوتعافيها …