رهانات سعودية خاسرة
غالب قنديل
تظهر متابعة التصريحات السعودية حول الوضع السوري تصميما على مواصلة دعم الجماعات الإرهابية التكفيرية وعلى استهداف مستمر للدولة الوطنية السورية ويبدو بوضوح ان المصالحة التي جرت في الرياض بين المملكة والرئيس التركي رجب أردوغان قد تمت أساسا على تجديد الشراكة في العدوان على سورية وتطوير تنسيق الجهود والإمكانات.
اولا تظهر الوقائع رعاية أميركية مباشرة لإعادة لم شمل حلف العدوان الإقليمي من خلال المصالحة السعودية القطرية ومن ثم المصالحة التركية السعودية وإعادة تعويم التنظيم العالمي للأخوان المسلمين كقوة احتياطية رجعية لا يمكن الاستغناء عنها في خدمة منظومة الهيمنة الاستعمارية وقد تزامن الكلام السعودي المستجد عن التنظيم مع استقبال الخارجية الأميركية في واشنطن لوفد قيادي أخواني من مصر.
بالتوازي مع إعادة رص صفوف منظومة الهيمنة في المنطقة تحت عنوان التحضير لما بعد الاتفاق النووي مع إيران يمكن لنا ملاحظة التقدم الكبير الجاري في العلاقات الإسرائيلية مع أطراف المنظومة سرا وعلانية وخصوصا في المجال الأمني الذي يتباهى القادة الصهاينة بتقدم التنسيق فيه مع اكثر من حكومة في المنطقة بينما حققوا وثبة جديدة في الشراكة مع السلطات الخليجية والأردنية عبر تصعيد الدور الصهيوني المباشر في دعم القوى الإرهابية وخصوصا جبهة النصرة وشركائها في الجبهة الجنوبية السورية بعد انشكاف حدود القدرات التركية نتيجة معادلات الردع السورية الإيرانية الروسية .
مساهمة إسرائيل النشطة في العدوان على سورية وضمن نطاق الممكن في ظل معادلات الردع نفسها تحظى برعاية ودعم سافرين من الرياض والدوحة وأنقرة وعمان حيث تتلاقى جهود هذه العواصم جميعا في احتضان الجماعات الإرهابية المختلفة على الأرض السورية من فصائل ما يسمى بالجيش الحر وصولا إلى داعش والنصرة.
ثانيا الكلام السعودي يسبق التصريحات الأميركية والتركية عن دعم ما يسمى بالمسلحين المعتدلين وتمول المملكة منذ سنوات مشاريع التدريب لديها وفي تركيا والأردن صراحة بينما يبدي وزير خارجيتها سعود الفيصل حماسة كبيرة لتصعيد المساعي الهادفة لتدمير سورية وقد بينت التجارب منذ حرب أفغانستان انه ليس لدى الرياض اعتدال تهديه لأي كان فهي تقدم الأموال وتعقد صفقات شراء الأسلحة وتهدي عصارة التطرف التكفيري الذي تنتجه المؤسسة الوهابية بينما تصدر آلاف شباب الجزيرة العربية الساخطين إلى ميادين القتال وهذا ما يفسره وجود آلاف المسلحين السعوديين على الأراضي السورية والعراقية وانكشاف رتب عسكرية بين قتلى جماعات التكفير غير مرة.
كذبة المسلحين المعتدلين تنكشف مرة اخرى في الميدان فمعسكر الاعتدال الذي يراه المواطن السوري على الأرض هو معكسر الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية التي حمت منظومات الرعاية في دعم الصمود الشعبي دون تمييز وأبقت بوابات المصالحة المحلية مشرعة للجميع وهو ما باشرت تلجأ إليه قطاعات متزايدة الاتساع من المسلحين المتمردين ومن انصارهم وعائلاتهم وهنا يحضر المؤشر الصادم لتخريفات الإدارة الأميركية وأتباعها في المنطقة .
حركة الاستقطاب الجارية ميدانيا في صفوف المسلحين تعقد لواء القيادة لتنظيمي النصرة وداعش مع اختفاء الفصائل التي راهن عليها المخططون الأميركيون وبديهي ان الخطاب الأميركي عن محاربة الإرهاب لم يقترن بفرض تقطيع الأوردة الحاملة للمال والسلاح إلى داعش والنصرة ومن هذه الزاوية شرعت تنتقل الرهانات إلى تبييض صفحات جبهة النصرة والتفتيش عن اجنحة في داعش يمكن طلاؤها بالاعتدال المزعوم لتعويمها وكله جهد ضائع يتبخر هباء بفضل تضحيات الجيش العربي السوري وانتصاراته المتلاحقة في جميع الجبهات السورية وسطا وشمالا وجنوبا .
ثالثا انجزت الإدارة الأميركية مع تصدير ولي العهد الجديد والمرشح الأقوى للعرش السعودي الأمير محمد بن نايف إعادة ضبط مواقف المملكة ويتضح لمن يتابع استمرار نقاش سعودي خفي حول الوضع السوري تعبر عنه كتابات المقربين من الأسرة الحاكمة حول الخيارات المتاحة في الحرب على سورية لكن يزال الاتجاه الطاغي الذي يروجه النافذون في دوائر القرار السعودية هو اجترار الرهان المجرب والخائب على تعديل توازن القوى الميداني مع التخلي عن وهم الإسقاط هذه المرة ، ولكن غاية الرهان هي فرض نتائج سياسية تكون جزءا من مضمون التوازنات المكونة لما يدعى بالحل السياسي وتريد المملكة في هذا المجال مع شركائها العثمانيين تحقيق حضور خاص في الواقع السياسي السوري لعملاء وتابعين بينما تشير الوقائع والتطورات إلى أن جميع المحاولات قد استهلكت في هذا المجال فالتحولات المتراكمة لصالح الدولة الوطنية وقواتها النظامية والشعبية تسمح بفرض انقلاب متصاعد في ميزان القوى وعلى نحو يصعب التغلب عليه .
الشعب العربي السوري ينهض لدحر الحرب العدوانية وينطلق في مقاومة شعبية رديفة للقوات المسلحة الشعبية والنظامية والانحيازات الجارية من خنادق المسلحين تتصاعد وتتوسع ووجهة الشارع السوري هي احضان الدولة الوطنية التي كانت على الدوام مثار مشاعر العزة والكرامة لجميع السوريين وهي التي صمدت ضد الإعصار الكوني وتسترد في مسار نهوضها جميع ابنائها الذين أغواهم المعتدون ، اما دول حلف العدوان فهي تسير إلى هزائمها على نفقتها الخاصة مدفوعة بالكراهية وبالرعب من عودة الجمهورية العربية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد أشد بأسا وصلابة إلى المسرح الدولي والإقليمي .