المقدسيون يحيّون وقف التنسيق بالدهس
ناصر قنديل
– يؤكد تاريخ النضال الوطني للفلسطينيين أنّ العلاقة بين المواقف السياسية للقيادة التي تتصدّر الساحة الوطنية، وبين الأداء الميداني للناشطين وحجمه ونوعيته، لم تكن دائماً علاقة تنظيمية قائمة على الخطة والتنفيذ المترابطين، فغالباً ما كان مناضلون لا ينتمون إلى التشكيل السياسي الأول فلسطينياً هم الذين يعبّرون عن المناخ المتغيّر لهذه القيادة نحو التصعيد النضالي، من دون أن يكون هناك أيّ تنسيق أو برمجة لهذا التصعيد.
– المزاج الشعبي والنضالي، للشعب الفلسطيني وقواه الحية، لم يتعب من التضحيات، كما تقول سيرة قرن مضى، ولا يستسيغ زمن التسويات التي تدهس فيها كرامته، ويتحوّل شهداؤه وأسراه إلى مجرّد أرقام، بانتظار حلول قالت التجارب المريرة للرهانات المرة عليها إنها سراب في سراب، ولا يكاد الفلسطينيون، مواطنين وناشطين، يتحسّسون تبدّلاً في مناخ قيادتهم السياسية، نحو رعاية مناخ المواجهة حتى يسبقونها إلى الميادين.
– تقول السيرة المتوسطة المدى والقريبة، للذين يعايشون من موقع الاهتمام، سيرة النضال الفلسطيني، أنّ غالبية الهبّات والمواجهات الشعبية، والعمليات المقاومة، قد قامت بها أو قادتها مجموعات صغيرة، تتصل بالتنظيمات بصلات غير واضحة، لا تتعدّى الحصول على السلاح والمعدات اللوجستية من أكثر من تنظيم أحياناً، ولا يمكن وصفها بالتنظيمية، بل هي أقرب إلى المناخ العام للوقوف في خيار المقاومة، ما كان يتسبّب غالباً بقيام أكثر من فصيل بتبنّي العملية الواحدة من دون تقصّد الإدعاء أو نية وضع اليد على جهد الغير.
– يكفي أن تعلن القيادة الفلسطينية أنّ خيار المقاومة على الطاولة، وأنّ السلاح لم ينه مهمته بعد، وأنّ فصائل المقاومة لا تزال واحدة من الضرورات الرئيسية للقضية الفلسطينية، حتى تنطلق سلسلة من عمليات المقاومة، فيظنّ المراقب أنّ الأمر أشبه بالضغط على ريموت كونترول، يربط الكلام السياسي بالعمل التنفيذي، بينما العارفون عن كثب، يجزمون أنّ الأمر ليس أبداً كذلك، وأنه ببساطة شديدة، تعبير عن تلقف عشرات المجموعات المناضلة التي تملك سلاحها وقد استطلعت أهدافها، وتنتظر الفرصة السانحة لإطلاق العنان لساعة الصفر، وتخشى أن تذهب تضحياتها هدراً، ولا تصبّ في خدمة تراكم تريده لتعزيز موقع الهوية والقضية، وأنّ قادة شعبيّين ذوي مصداقية يتلقفون باليد الأخرى، أول إشارة إلى أنّ الانتفاضة لم تنه مهمتها، حتى تبدأ الإرهاصات التي تعبّر عن ضيق الفلسطينيين من السلوك العدواني لسلطات الاحتلال وقطعان المستوطنين.
– الإعلان عن وقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، خبر ينتظر سماعه الناشطون والمقاومون في فلسطين منذ زمن، وهم الذين كانوا عندما يخططون لعملية مقاومة، يخشون أجهزة السلطة أكثر مما يخشون شرطة الاحتلال، والأهمّ أنهم يرون في القرار التاريخي لقيادتهم، تعبيراً عن ما توقعوا وتمنّوا منذ زمن، وما يستحق التحية، والقول للمحتلّ، أنّ وراء القرار قلوباً عامرة وعقولاً حاضرة، تحميه، والقول للقيادة الفلسطينية إنّ الشعب الفلسطيني لن يبخل بالتضحيات إذا صمدت قيادته على الموقف.
– عمليات الدهس بالجملة في القدس هي واحدة من أشكال التجاوب مع قرار وقف التنسيق الأمني، وهي تحية للقرار، ودعوة للقيادة إلى المزيد من الثبات، ورسالة للاحتلال، أن يد الفلسطينيين لم تفرغ من الأساليب النضالية لتصعيد أعمال المقاومة.
– يسقط زيف التفاوض الذي لا يجدي، فيخرج المقاومون، ويقولون، نحن الردّ الرادع، مهما تواضعت الإمكانات، في قاموس الشعوب، الطعن والدهس، والرشق والرجم، وما ستحمله صفحات جديدة.
(البناء)