دعوة أوجلان لإلقاء السلاح محمد نورالدين
دعا زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من معتقله في جزيرة ايمرالي التركية إلى عقد مؤتمر استثنائي للحزب في أقرب وقت من أجل مناقشة وإقرار مسألة تخلي الحزب عن العنف وإلقاء السلاح . وتبع ذلك صدور بيان مشترك غير مسبوق بين نواب حزب الشعب الديمقراطي الكردي الممثل في البرلمان ونائب رئيس الحكومة يالتشين أقدوغان يثمَن خطوة أوجلان ويدعو الى حل المشكلة الكردية بصورة سلمية .
خطوة أوجلان ليست مفاجئة بالقدر الذي يمكن أن تحمله مفردة مفاجأة . إذ إن الاتصالات التي بدأت بين أوجلان والدولة التركية منذ سنتين ونيف حملت تغييرات في موقف أوجلان وطريقة نظرته الى معالجة المشكلة الكردية في تركيا في اتجاه نزعة سلمية بعيدة عن لغة العنف والدم .
وما كان مفاجئاً أن المفاوضات بدأت إثر أكبر عمليات تصعيد في العمليات والمعارك العسكرية بين الجيش التركي ومقاتلي الكردستاني في صيف وخريف العام 2012 وأودت بحياة العشرات من الجانبين .
وقد تبع ذلك نداء من أوجلان في ربيع العام ،2013 وجدده مع كل نوروز من أجل وقف القتال وقد تم ذلك بالفعل أي أنه منذ سنتين لم تشهد العلاقة بين الحزب والدولة التركية أية عمليات عنف ما خلا تلك النادرة أو العرضية .
ومع ذلك، فإن جميع التفاصيل المتعلقة بتقدم المفاوضات أو عدم تقدمها كانت تأتي من جانب الحركة الكردية ووسائل إعلامها، فيما كانت المعلومات من الحكومة ووسائل الإعلام الموالية لها تكتفي بالتشديد على حل سلمي للقضية .
وكان أوجلان غالباً ما يشير إلى أن المفاوضات دخلت منعطفاً حساساً وتاريخياً نحو حل المشكلة . في هذا الوقت كانت قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق تطلق مواقف متمايزة عن أوجلان وترى في بيانات ومواقف متعددة أن الدولة التركية تماطل وتتلاعب بالمفاوضات وهي غير صادقة في الوصول إلى نتيجة وتستغل ذلك لحسابات انتخابية داخلية والنتيجة واحدة وهي عدم الوصول الى حل وكسب الوقت .بل ان قياديي قنديل كانوا يقولون إن تركيا إذا لم تتجاوب مع المطالب الكردية فإنها ستواجه حرباً شاملة . التمايز بين مواقف أوجلان وقنديل لم يكن ينظر اليه سوى أنه توزيع أدوار بين اللين والشدة لخدمة الموقف الكردي . خصوصاً أن التجربة التاريخية دلت على ان الحزب وقيادته العسكرية والسياسية لم تخرج أبدا من عباءة أوجلان منذ تأسيسه عام 1978 إلى أن اعتقلته، بعملية خطف من كينيا، المخابرات التركية والأمريكية و”الإسرائيلية” عام 1999 ولايزال في السجن .لكن مع ذلك فإن طبيعة العلاقة ليست دائماً بهذا الشكل الأوتوماتيكي .
الجديد في نداء أوجلان أنه يطلب من الحزب اتخاذ قرار بإلقاء السلاح، وهذا يعني بداية مرحلة جديدة بالكامل من مسار الحركة الكردية في تركيا وانتقالها من مرحلة العنف الى مرحلة السياسة، لكن هذه المرحلة تقتضي شروطاً وظروفاً في غاية التعقيد والجدية من جانب الحكومة.
إذ إنه في حالة إلقاء الحزب لسلاحه فهل يعني ذلك أنه سيبادر إلى هذه الخطوة أولاً ومن ثم تبادر الحكومة الى خطوة مقابلة، أم ان كل خطوة ستكون بالتزامن مع خطوة مقابلة وهلم جرا؟ هذه النقطة مهمة للغاية في مسار عملية الحل . لأن تخلي الحزب عن العنف وعن السلاح سيجعله منزوع المخالب في أية عملية تفاوضية . بالطبع حزب العمال الكردستاني ليس غافلاً عن هذه النقطة . لكن إذا كان هناك من برنامج للحل مترابط مثل إلقاء السلاح والاعتراف الدستوري بالهوية الكردية وتلبية المطالب الكردية فهل هناك من ضمانات لترجمة ذلك على المدى القريب أي خلال سنة أو سنتين، أم أن المسألة هي رهن وعود أو شعور بالعجز من هذا الجانب أو ذلك؟ أو هي مرتبطة بحسابات ومصالح ضيقة، خصوصاً أن حكومة حزب العدالة والتنمية تلاعبت كثيراً بالمسألة الكردية منذ العام 2002 ولم تتجاوب مع أي مطلب كردي ولم تف بأية وعود؟ وما الذي يضمن اليوم أن الإخلال بالوعود لن يتكرر؟ بل هل هناك فعلاً من رغبة لدى حزب العدالة والتنمية بإقرار حق التعليم باللغة الكردية، في المدارس الكردية وفي منح ما يشبه الحكم الذاتي للمناطق الكردية وإطلاق سراح أوجلان؟ أم أن هناك صفقة بمنح ذلك للأكراد مقابل تأييد تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي بما يتيح دستورياً جمع كل السلطة السياسية التنفيذية بيد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان فيحقق رغبة شديدة لديه مقابل منح الأكراد بعض المطالب؟أسئلة وتساؤلات كثيرة تواكب مسار العلاقة بين أنقرة وأوجلان والأكراد، أما الإجابة عنها فقد تتضح خلال الأسابيع والأشهر المقبلة .
(الخليج)