مقالات مختارة

لم يبقَ من لبنان دولياً إلا حزب الله هيام القصيفي

 

تنشغل الدوائر الدولية المعنية بمتابعة تطورات الشرق الأوسط. وحده لبنان يغيب بالمعنى الفعلي. لكن حزب الله يبقى محطّ متابعة واهتمام دوليين لدوره من العراق إلى سوريا ولبنان

يغيب لبنان تماماً عن جدول أعمال الدول المعنية مباشرة بأزمات الشرق الاوسط، تماماً كما تغيب قضية فلسطين والمفاوضات الإسرائيلية ــــ الفلسطينية. منذ أسابيع طويلة، تتغاضى مراكز القرار والدراسات الاستراتيجية، عن الاهتمام بملف لبنان، بعدما دخلت أزمته مرحلة الركود والمراوحة والستاتيكو الأمني. لا رئاسة الجمهورية تعني هذه المراكز في الوقت الراهن، ولا حكماً آلية التوافق والعمل في مجلس الوزراء. ومن حين إلى آخر، يطل على المشهد الدولي ملف النازحين السوريين بشقّه الأمني أو التحركات العسكرية على الحدود.

وإذا كان المجتمع الدولي قد سئم دوران المسؤولين اللبنانيين في الحلقة المفرغة، فإن اللافت أنه لم يبق موجوداً من لبنان على الساحة الدولية فعلياً، سوى حزب الله.

يمثّل حزب الله، بالنسبة إلى المعنيين الغربيين، محور اهتمام ومتابعة بما يتعدى دوره المحلي، بعدما أصبح لاعباً أساسياً على الساحة الإقليمية على أكثر من خط. يتحدثون اليوم في دوائر القرار والديبلوماسية الغربية، بحسب مصدر لبناني مطلع، عن حزب الله في سوريا ومشاركته في الصراع فيها، ودوره في تقديم مساهمة فاعلة في العراق، وعن حزب الله وإسرائيل، وعن حزب الله والبحرين، وحتى عن حزب الله وبلغاريا. يكثر الكلام عن دور حزب الله في الصراعات والحروب الدائرة، وخصوصاً في المحاور الأساسية التي أصبحت تمثل مركز ثقل ومتابعة دولية كالعراق وسوريا، ولا سيما بعد معركة الجنوب السوري، بما يفرض حكماً الكلام مستقبلاً عن دوره في مراحل التسويات المحتملة.

يشكل حزب الله، بهذا المعنى، وجهاً من وجوه المشهد الجديد في الشرق الأوسط، بين محورين يرتسمان تدريجاً في ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة: خط إيراني لحزب الله دور فاعل فيه، بدعم روسي خلفي يمدّ استراتيجيته من العراق إلى سوريا ولبنان، وخط سعودي (خليجي) أردني ــــ تركي يحاول مجدداً نسج تحالف عملي بعد تولي التركيبة السعودية الثلاثية مقاليد الحكم في الرياض بعد وفاة الملك عبد الله.

منذ أسابيع قليلة، يتركز تدريجاً محور إقليمي من السعودية إلى تركيا في إعادة تعويم الإخوان المسلمين في منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى تونس، ودعم صعوده مجدداً في وجه التنظيمات الأصولية، وفي وجه المحور الإيراني، الآيل بدوره إلى التمدد في نقاط استراتيجية من العراق إلى سوريا ولبنان. ثمة مراجعات سعودية، على أبواب الاتفاق الأميركي ــــ الإيراني، حول السياسات المعتمدة في الأشهر الأخيرة، وما أدت إليه من متغيرات في خريطة المنطقة. وتظهر المتابعات السعودية التحوّل الذي تعكسه السياسة السعودية الجديدة في نظرتها إلى الشرق الأوسط، والاستفادة من أخطاء المرحلة الماضية، من مصر إلى سوريا وتونس، لرسم استراتيجية جديدة. وقد بدأ السعي لإعادة إظهار الإخوان المسلمين قاعدة محورية في هذه السياسة يفرض نفسه على علاقات دول المنطقة، بين السعودية وكل من تركيا وقطر، وبين السعودية ومصر. إذ يعكس سياسيو البلدين وإعلامهما القلق المتبادل بينهما، في ظل توجس المصريين من إحياء التجربة الإخوانية بدعم سعودي، بما يتنافى مع توجهات الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في تعامله مع مصر بعد الإخوان. وإذا كانت أول ترجمة عملية للمحور الحديث، تكمن في تطورات اليمن الأخيرة وتحول عدن «عاصمة» للفريق الذي تدعمه الرياض في مقابل صنعاء الحوثيين، فإن من المبكر التكهن بما تحمله الأيام المقبلة في تثبيت أسس واضحة لهذا المحور الساعي، عشية الاتفاق الأميركي ــــ الإيراني، إلى تثبيت هويته وسياسته الإقليمية، ولا سيما لما قد يقدمه «دولياً» من دلائل حسية في محاربة تنظيم «داعش» وتمدده في العراق وسوريا. إذ إن التحدي الدولي الذي يواجهه هذا المحور يكمن في كيفية التعامل مع حضور إيران المتزايد، الذي يبدو أن واشنطن «تركت» لها مهمة مواجهة «داعش» براً، في موازاة الحملة الجوية التي تستهدف هذا التنظيم في سوريا والعراق منذ أسابيع.

لقد بدأت الحملة البرية، التي روّجت لها إيران من تكريت إعلامياً، عبر إظهار صور قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، تأكيداً لحضورها بقوة في مواجهة «داعش» في محافظة صلاح الدين العراقية، قبل الانتقال إلى معركة مماثلة الأهداف في محافظة الأنبار. وعلى وقع معركة الجنوب السوري التي تقاتل فيها إيران علناً، ومن دون أي ردّ فعل دولي معترضة، إلى جانب حزب الله لإبعاد «داعش» و»النصرة»، يتبلور بوضوح أكثر مشهد إقليمي جديد، ترى فيه واشنطن توازناً بين قوتين سنية وشيعية في الشرق الأوسط.

وسط هذا المشهد، لا يحضر لبنان فعلياً على الخريطة الدولية، ما عدا التقاطع الذي يمثله حزب الله بين محورين: الأول يرى فيه خطراً يوازي خطر «داعش»، والثاني يعتمد عليه في رسم خط استراتيجي تصاعدي من العراق إلى المتوسط. ومع اقتراب موعد الاتفاق الإيراني ــــ الأميركي، رغم اللهجة الإسرائيلية العالية التي عبّر عنها أمس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الكونغرس الأميركي والاعتراضات العربية، ينتظر أن تتضح أكثر فأكثر حدة الاختلاف بين المحورين، وترجمته إقليمياً. علماً بأن الطرفين يحيّدان لبنان حتى الآن عن صدامهما.

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى