الرئيس مفقود.. و«حزب الله» خط دفاع! نبيل هيثم
بعيدا عن السياسة وما تفرضه «المصالح» من تموضعٍ على جانبي خط الانقسام الداخلي، وانخراطٍ في محاور متصادمة سياسيا، يلتقي مسيحيو «8 و14 آذار» في دائرة الخوف على المصير، في منطقة متفجرة وآيلة الى مزيد من الحريق.
سقطت كل المنطقة في خريف الدم والذبح والمجازر، وسقط المسيحيون ضحايا.
مجالس المسيحيين، وبمعزل عن مزايدة او مكابرة بعض الرؤوس الحامية على ضفتي الانقسام المسيحي الداخلي، تقرأ مشهد المنطقة كما هو بكل دمويته وما يتهدد المسيحيين، وباتت تقر بإحباط جدي يعتري المسيحيين بشكل عام، وبعجز عن امكان رسم صورة، فيها الحد الادنى من الاطمئنان للآتي من الايام، خاصة ان المناخ في المنطقة ينطوي على مؤشرات شديدة السلبية بالنسبة لفئة صارت تشعر بأنها متروكة لمصيرها، لا يكترث لها لا الغرب ولا الشرق!
الهواجس تكبر يوما بعد يوم، وكانت عيّنة من تلك الهواجس والمخاوف محل نقاش ساخن مؤخرا، بين شخصيات مسيحية سياسية ودينية ومرجع سياسي كبير من اهل حكومة تمام سلام، وبدل ان يزرع بعض الطمأنينة في النفوس، انتهى النقاش الى زيادة منسوب القلق عند هؤلاء المسيحيين.
في النقاش، قال المرجع: «ما يجري في المنطقة مدان بكل صوره، وانا شخصيا حريص جدا على المسيحيين في لبنان، والمطلوب ان يتوحد المسيحيون على كلمة سواء».
قيل للمرجع: «كيف يمكن ان يترجم هذا الحرص؟ المسيحيون اليوم في اعلى درجات الخوف والقلق، في لبنان هم اشبه ما يكون بطائفة مقطوعة الرأس نتيجة الشغور في رئاسة الجمهورية، وفي المنطقة يشعرون بأنهم على وشك الانقراض والذوبان، وبأنهم مطاردون حتى اصبحوا على حافة الهاوية. في المنطقة لا نحسد على وضعنا، اقتلعنا من العراق، ورقابنا تُحزّ في ليبيا، وصرنا اهدافا للتصفية في مصر، واما سوريا فها هم الاشوريون يقتلون في قرى الخابور في ريف الحسكة (تل شميرام، تل تمر، تل هرمز) ويعدم تاريخهم وحضارتهم. العالم بأسره، والغرب في مقدمته، لا يحركون ساكنا وكأنهم متآمرون على المسيحيين. لم يبق للمسيحيين سوى لبنان، حتى الآن ما زالوا يعتبرونه ملاذا آمنا لهم، ولكن مع ذلك ارصدوا التهافت على السفارات».
يجيب المرجع مؤكداً «ليس للمسيحيين سوى لبنان».
أبدى الحاضرون مخاوفهم من «بعض الاصوات التي ترتفع (من بينها النائب خالد ضاهر). يجب ان يشعر المسيحيون بالأمان والاطمئنان بأنه لن يأتي يوم يستيقظون فيه على تكرار صور المنطقة في لبنان».
اكد المرجع لمحاوريه: «المسيحيون مكون اساسي في لبنان ومن صلب الكيان، ويشكلون احدى الركائز الاساسية للهيكل اللبناني وأي مس فيهم يعني مسًّا بالكيان، ولكن المطلوب الآن ان يكونوا معا والا يتقوقعوا، بل يجب ان يعودوا الى دورهم الرائد والطليعي».
أظهر المشاركون أن «المسيحيين لم يتخلوا عن دورهم وموقعهم. هم متمسكون بدورهم وموقعهم اكثر من اي وقت مضى، ولكن في الظرف الحالي، وقبل كل شيء، ساعدوا المسيحيين على انتخاب رئيس للجمهورية، فذلك يعطيهم شيئا من الامان. هناك تأخير مقصود للانتخابات الرئاسية، ونخشى ان يكون القصد من هذا التأخير هو تكييف لبنان مع الفراغ الرئاسي ومع غياب رئيس الجمهورية المسيحي.. علما ان مشكلة المسيحيين ليست فقط بعدم انتخاب رئيس جمهورية، بل ان ازمتهم الكبرى تكمن في الخلل في التمثيل المسيحي الحقيقي في الدولة. التمثيل المسيحي الحقيقي المقصود، يتأتى عبر القانون الانتخابي، وعبر انتخاب رئيس جمهورية يعيد التوازن الى الدولة».
هنا صارح المرجع ضيوفه بقوله: «بالعكس المسيحيون موجودون في الدولة وبفعالية. ولا اعتقد ان الظرف مناسب لا الآن ولا في المدى المنظور لقانون انتخابي جديد. على المسيحيين الا يتقوقعوا ويعودوا الى دورهم الرائد الطليعي وان يكونوا منفتحين. المناصفة موجودة، والمسيحيون لهم نصف مجلس النواب».
شدد المشاركون على أن «ما يطلبه المسيحيون هو التمثيل الصحيح. هم منفتحون على سائر المكونات اللبنانية، خصوصا السنة والشيعة، وهم على استعداد لأن يكونوا جسر التقاء وتواصل بينهما، ولكن في الوقت نفسه المسيحيون مصرون على حقوقهم، والمؤسف انهم يضعون اليد على الجرح ويقولون ان مشكلتهم قائمة في قانون الانتخاب، ولكن ليس هناك من هو مستعد لأن يستجيب ويساهم في انتاج القانون العادل».
يضيف هؤلاء: «المسيحيون يقولون ان ازمتهم ناجمة عن قانون الانتخاب فيقال لهم هذا هو القانون (الستين) ونقطة على السطر. وكأنه يقال لهم سلموا بهذا القانون واسكتوا ونحن المسلمين نختار لكم نوابكم وننتخبهم، ونحن نختار لكم رئيسكم المسيحي بمعزل عن رأي المسيحيين فيه»!
أشار المرجع إلى أن «هناك ظروفا تحكم عدم انتخاب رئيس جمهورية حتى الآن. وليس صحيحا ما يقال عن مصادرة التمثيل المسيحي».
«لنكن صريحين اكثر»، قيل للمرجع المذكور: «انتم تطبقون اليوم ما كان يطبق ايام الوصاية السورية، السوريون كانوا يختارون لنا من يمثلنا وكذلك الامر انتم، لم يتغيّر على المسيحيين شيء. بل ربما امر واحد وهو ان الوصاية كانت احيانا تختار لنا شخصيات مسيحية افضل بكثير ممن تختارونهم لنا»!
احتد المرجع قائلاً: «هذا ليس صحيحا، ثم من الظلم القول اننا نقلد الوصاية السورية، ومن الظلم اكثر ان يقال ان المسيحيين ليس عندهم شيء. قائد الجيش مسيحي، حاكم مصرف لبنان مسيحي، رئيس مجلس القضاء الاعلى مسيحي، لديهم مصارف، مؤسسات، كفاءات، خبرات، وموجودون بشكل فاعل واساسي في الادارة والوظائف».
قيل للمرجع: «… أليست تلك من حقوق المسيحيين، ثم كأنك تمنِّن المسيحيين بأن لديهم اطباء ومحامين ورجال اعمال ومصارف وجامعات وكفاءات، هذه كلها من القوة الذاتية للمسيحيين (كما لدى سائر المكونات)، هذه ليست منّة من احد، المسيحيون صنعوا انفسهم وتاريخهم. ولكن نحن الآن نتكلم عن حضور المسيحيين في الدولة وفي الشراكة بصنع القرار وفي التمثيل العادل والصحيح اسوة بسائر المكونات الاسلامية».
رد المرجع: «اعتقد انكم تبالغون، المناصفة هي التي تحكم الوضع اللبناني في كل شيء، ويستفيد منها المسيحيون والمكونات الاخرى، وها انتم اليوم تعزفون على وتر الرئيس القوي، وكأنكم تصرون بذلك على انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية».
«نحن نقول: «الرئيس القوي» ايا كان»… قيل للمرجع.
بشيء من الحدة رد المرجع قائلا: «اخشى مع استمراركم بالعزف على وتر الرئيس القوي، ان يأتي احد ما ويثير موضوع العدد ويقول انتم المسيحيون عددكم 20 او 30% من الشعب اللبناني.. وهذا سيقود حتما الى المثالثة».
ترك كلام المرجع صداه بين الشخصيات المسيحية، فبادر أحدهم بالقول: «وكأنك تقول ان كل الكلام الذي يقال عن المناصفة في العلن ويتكرر في كل المناسبات، ليس جديا، اي ان هناك مناصفة شكلية. يبدو ان المناصفة التي تريدونها هي ان تأتوا انتم بمن يمثلنا ونحن نعمل في خدمة السلطان ونقتنع بما يعطينا من فتات ومكرمات.. ثم ما المانع من وصول الرئيس القوي الى رئاسة الجمهورية اسوة بما هو معمول به لدى السنة والشيعة، وما يفهم من كلامك انه ايا كان الرئيس المسيحي القوي ممنوع ان يصل الى رئاسة الجمهورية.. ثم ان ما يحير المسيحيين هو لماذا تحرصون على مراعاة وليد جنبلاط وتنزلون دائما عند رغباته وتعطونه في كل قانون انتخابي اكثر بكثير من الحجم الحقيقي لطائفته، بينما لا يراعى حق المسيحيين؟».
سارع المرجع السياسي الى الاجابة: «وليد جنبلاط، يعني الجبل، وله خصوصيته، فضلا عن انه من الميزات الاساسية للبنان. المسيحيون في صلب الكيان، ولذلك يجب ان يفكروا بعقل بارد. قبل التفكير بقانون انتخابي، يجب على المسيحيين ان يتفقوا على رئيس للجمهورية، والتخلي عن طرح ترشيح ميشال عون، فوصوله دونه استحالات، فضلا عن ان انتخابه رئيسا معناه انتصار فريق على فريق. وبصراحة اكبر انتصار لايران وحزب الله والشيعة، وهذا امر غر مقبول. أليس في الميدان غير عون؟ ما به جورج خوري، وجان عبيد وجان قهوجي؟».
«كلهم في الخير والبركة» ـ قيل للمرجع ـ «ولكن المطلوب شخص يستطيع ان يحقق انجازات، ثم امامنا تجربة ميشال سليمان، فلا غَيَّر قانون الانتخاب ولا اجرى اصلاحات ولا انهى الفساد»..
«ميشال سليمان شخص جيد، وكرئيس للجمهورية لَبْنَنَ الأداء والتوجهات.. واعتقد انكم لا تحبونه لأنه وقف ضد حزب الله».. قال المرجع، فأجاب أحد الحاضرين: «لا نقف عند ميشال سليمان ولا محاكمة فترة حكمه، فولايته انتهت وعاد الى بيته، واما حزب الله فنعتقد ان الشريحة الواسعة من المسيحيين تقف معه، لأنه كما شكل رأس حربة مواجهة الخطرالاسرائيلي، يشكل اليوم خط الدفاع الاول، وربما الاخير، عن لبنان، وعن المسيحيين من خطر الارهاب التكفيري.
(السفير)