أوجلان على طريق الجبهة البديلة عامر نعيم الياس
التحوّل في موقف ما يُسمّى «وحدات حماية الشعب الكردي» في سورية لا يمكن أن يمرّ من البوابة السورية وحدها، هو تحوّل غير منفصل عن الملفّ الكردي في المنطقة، ربما هذه أحد الرسائل التي يوجهها الموقف اللافت للزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، المحكوم بالسجن المؤبّد في جزيرة ايمرلي التركية.
وفي الخبر، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني قبل يومين مقاتليه إلى اتخاذ قرارٍ «تاريخي» بإلقاء السلاح، وذلك في رسالة نقلها عنه سيري ثريا أوندر النائب عن حزب ديمقراطية الشعب الموالي لحزب العمال وبحضور استثنائي لنائب رئيس الوزراء التركي يالتشين أكدوغان.
وأضاف أوجلان «أدعو حزب العمال الكردستاني إلى عقد مؤتمر استثنائي في الربيع لاتخاذ قرار استراتيجي وتاريخي بنزع الأسلحة… إنها دعوة تاريخية لاستبدال المعركة المسلحة بالسياسة»، فهل التخلي عن السلاح خيار نهائي لحزب العمال، أم أنّ الأمر حكر على ساحة دون أخرى، ومفاضلةٌ بين جبهتين أو أكثر على امتداد ساحة الإقليم؟
بالعودة إلى خلط الأوراق في سورية وتوقيت تصريح أوجلان، يمكن القول إنّ الانقلاب في الموقف من أكراد سورية، والتحوّل الغربي الإعلامي والسياسي باتجاه تبني مصطلح «كردستان سورية» أتى في توقيت ظهر فيه الأكراد بوزنٍ راجحٍ في جنوب شرق سورية باعتبارهم قوة منظمة يمكن الاعتماد عليها في أرض المعركة التي دخلها أوباما في العراق من البوابة الكردية، وهو ذاته ما حصل في سورية، وعلى الرغم من اختلاف موازين القوى بين أكراد العراق ونظرائهم في سورية، وحتى حالة التضادّ في الخيارات السياسية لكلا الطرفين بين مؤيد للبرزاني الحليف لتركيا والولايات المتحدة، ومؤيد في سورية لأوجلان المصنّف على لوائح الإرهاب الأميركية التركية الأوروبية، إلا أنّ حرب أوباما على سورية قلبت المعادلة، ونجحت في سحب الورقة الكردية من يد الدولة السورية أو أقله من يد حياد عن خيارات الغرب في سورية كان أقرب إلى موقف الحكومة السورية، استناداً إلى علاقة تاريخية ربطت الدولة السورية مع حزب العمال الكردستاني وتحديداً أوجلان، وحصل الانقلاب في المعادلات في الجزيرة السورية، هذا الانقلاب الذي حوّل الوحدات الكردية المقاتلة في سورية إلى أنموذجٍ حيّ «للاعتدال الأميركي» المنوي الزجّ به في معركة استكمال استنزاف وتدمير سورية بحجة الحرب على «داعش»، هنا لا يمكن إسقاط الورقة الكردية التي باتت في يد واشنطن من تأثيراتها على حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وعند هذه النقطة نجح أردوغان في الحدّ من خسائر التحوّل الكردي في سورية، بل وتوظيفه في تدخله العسكري الأخير في سورية لنقل ضريح المقبور سليمان شاه إلى مكان قرب عين العرب «كوباني» التي باتت أحد أهمّ رموز حرب أوباما على «داعش»، وفي هذا التوقيت بالذات جاء إعلان رئيس حزب العمال الكردستاني الذي يمهّد لتحوّل تاريخي في المنطقة ينهي ثلاثين عاماً من الصراع التركي الكردي في جنوب شرق تركيا، ويفسح في المجال أمام نسب هذا الإنجاز إلى حكومة أردوغان، وبالتالي إنهاء القضية الأكثر حساسية في تاريخ تركيا الحديث، وهو ما سيصبّ في تكريس أردوغان واستراتيجية حكمه، فضلاً عن تكريس سلطة حزبه على كافة مفاصل الحكم، وخاصةً أنّ تصريح أوجلان يأتي قبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات التشريعية التركية المقرّرة في حزيران المقبل.
المخاوف الأميركية من البندقية الكردية وإمكانية الانقلاب على سياسات واشنطن، وحتى إحراج البيت الأبيض أمام تحفظات بوابة الأطلسي إلى الشرق، ستزول تدريجياً إذا ما تمّ السير في مشروع أوجلان لنقل البندقية من تركيا إلى شمال شرق سورية، مع إعطاء بعض الحقوق السياسية لأكراد تركيا الأقرب إلى حزب العمال.
(البناء)