جدالات داعشية
فاطمة طفيلي
نواجه منذ بداية الخريف العربي كمّا مريبا من الاستماتة في تلميع الوافد الهجين وتسويقه على أنه البلسم المعالج والترياق الشافي لكل ما نعانيه من أزمات ومشاكل، تحت عنوان ما سمي ربيعا عربيا، سيقلب واقعنا المتردي ويفتح أمامنا آفاق الحياة الواسعة بصورها الوردية وأحلامها المخملية.
أربع سنوات من عمر الأزمة والوقائع تشي بالمزيد المغرق في سواد مرعب وظلمة تكاد تطيح بأي ضوء أو بارقة أمل، ومع ذلك لا يُعدم المدافعون والمنظرون وسائل الشرح والتعليل، متعامين عن كل ما يجري من خراب وتدمير ممنهج لكل المعالم الإنسانية في منطقة سَجّل تاريخها أنها منبت الحضارات الإنسانية، ومنطلق الأديان السماوية، فبأي نظريات يهرفون، وإلى متى في غيهم يستمرون، وإن لم تحرك ضمائرهم، أو ما توفر منها من بقية، الفظائع والجرائم المرتكبة، فبأي فجور بعد سينطقون.
يحدثونك عن حرية الرأي، ولا يبارحون في نقاشاتهم خانة التعصب الأعمى لما يستعرضون من أفكار وعناوين لا تتغير رغم اختلاف الوقائع والحقائق، همهم الوحيد أن يحشدوا ما تيسر من سبل التأثير والاقناع عبر روايات مستهلكة، تفتقر في الغالب إلى أدنى معايير الثقة والاحترام، ولنا في صناعة الأفلام والمشاهد المصورة التي احترف الدواعش تسويقها، مستندين إلى خبرة ذوي الاختصاص من عرب وأجانب، مجندين لخدمة برابرة العصر ومخططاتهم الهمجية المثال، يساعدهم في ذلك إعلام يكرس ومنذ البداية، القسم الأكبر من مساحاته لمتابعة أخبار الدواعش ومطاردة أمرائهم وممثليهم للفوز بما يعتبره سبقا أو خبطة، وإعلاميون يغادرون بفجاجة خانة المهنية في حواراتهم، منحازين لما هو بنظرهم الصواب، فأي حوارات يحكمها التعصب للرأي يديرون، وأي فائدة منها يرجون، اللهم إلا إن كانوا في قرارة أنفسهم راضين عن قدراتهم الناجحة في تغليب رأي على الآخر وخدمة الاملاءات الموحى بها إليهم، وهم في ذلك سواسية مع المنظرين الاشاوس المتعامين عما يفعله برابرة العصر، بحجة ان بينهم معتدلين قادرون على تصويب المسار أملا بانتصار ثورات مزعومة، وديمقراطية في مقدمة داعميها الصهاينة وحلفاؤهم، ولو على أنقاض أوطان تئن تحت وطأة التخريب والتدمير والممنهجين!!!.
ديكتاتورية الحوارات المنحازة باتت السمة الغالبة في إعلامنا، ولكل وسيلة إعلامية عدّتها من محاورين ومتحدثين، وخطابها العابق بالتنسيق المسبق والاملاءات المفروضة بفجاجة في التعامل مع الرأي الآخر.
ادعاء تمثيل الناس والنطق بأصواتهم تحول إلى شعارات جوفاء وسط سيادة أسلوب الشراسة في الدفاع عن الرأي واتهام الآخر، ومعه باتت المنابر أحادية الاتجاه والتصويب في خدمة مشروع سياسي، لا ضير في كونه يستهدف مصير المنطقة وأهلها!. وكيف لا تتحول الجدالات إلى داعشية وقد أصبح إعلامنا صدى لبرابرة العصر يتابع جرائمهم بالتعليل والتفصيل، أيا كانت المفاعيل، مع ما أمكن من تباك مزيف على يقترفون.
ماذا ينتظر المكابرون ممن تيقنوا وبالأدلة القاطعة من فداحة ما يرسم للمنطقة وشعوبها، وفي الوقائع ما يعجز الكلام عن وصفه، وماذا ينتظرون بعد من أدلة وبراهين، ألم يكفهم إلى الآن ما حققته ثوراتهم المزعومة من مآثر اتخذت من الدين عنوانا لفتاوى، شعارها التفنن بقتل الأنفس البشرية التي كرس الدين احترامها. وماذا عن المرأة التي تحولت في أبسط الأحوال الى مسبية تباع وتشترى في سوق النخاسة، وأي أمل نرجوه في الأجيال الناشئة على تعميم مشاهد الجريمة وفنونها، وأي مصائر تتنظرنا معها؟.
واذا صحت مقولة التاريخ الذي تستند اليه الشعوب في استمرارها وتطورها، فأي تاريخ بقي لنا مع هذا التدمير المتعمد والسرقات المحترفة لتاريخنا وإرثنا الثقافي والحضاري؟!!. وهل نبقى قاعدين متفرجين أم نبادر إلى الفعل موحدين؟.
يقينا نحن في زمن بات الخانع والمحايد شريكا في جرائم العصر ودواعشه، فمتى يتحرر إعلامنا من الجدالات الداعشية العقيمة؟!..