العماد عون يردّ الاعتبار لعيد الشهداء
غالب قنديل
يتميز العماد ميشال عون بشغف خاص بالفكر والثقافة وبمتابعة الجديد في العلوم الاستراتيجية التي تظهر في شروحات زعيم التيار الوطني الحر لخلفية إيمانه بالمقاومة وبدورها في حماية لبنان، بما في ذلك ما تقوم به دفاعاً عن شعبها ووطنها في وجه خطر الإرهاب التكفيري الذي يجتاح المنطقة. وفي السياق يحرص زعيم التيار الوطني الحر على التشديد مجدداً ان التفاهم مع حزب الله كان خياراً استراتيجياً أثبتت الأحداث صحته وجدواه وهو نقطة انطلاق لمسار يحرص العماد عون على اختبار فرص استكماله من خلال نهج الانفتاح والحوار مع سائر الشركاء في الوطن، وفقاً لقرار شريكي التفاهم بتفكيك أجواء الاحتقان بهدف محاولة إنتاج التفاهمات الوطنية المتاحة في جميع الملفات، وخصوصاً في استراتيجية مجابهة التكفير والإرهاب ومحورها الالتفاف حول الجيش اللبناني وتعزيز قدراته.
في نظرته الاستراتيجية، لا يفوّت الجنرال عون تأكيد ارتباط الصراعات الكونية والأزمات والحروب الجارية بالنزاع الدائر بين القوى الكبرى في العالم على موارد الطاقة وخطوط نقل النفط والغاز، التي تتولد وترتسم على خرائطها خطوط التماس وهو أمر في قلب ما تعيشه منطقتنا خلال السنوات الأخيرة.
يستغرب العماد عون توهم بعض الأطراف اللبنانية إمكانية عزل لبنان عن المنطقة وأحداثها، وهو يرى أن الترابط الطبيعي بين بلدان المنطقة كان ميزة تاريخية في كل ما شهده اللبنانيون من أحداث منذ مئات السنين، وهذه الفكرة تحضر بمناسبة الكلام عن ذكرى الإبادة الأرمنية وعن الجرائم الأخيرة التي شهدتها سورية والعراق. وينوه الجنرال بما يثيره الأمر من شواهد تاريخية تعكس الترابط بين آلام اللبنانيين والأرمن والسريان وسائر الفئات والجماعات في بلاد الشرق العربي خلال الاحتلال العثماني، فخطط الإبادة والإخضاع العثمانية لشعوب المنطقة بدافع الهيمنة والاستعمار كانت تتم بواسطة ثلاث وسائل مارستها السلطنة ضد هذه الشعوب. تلك الوسائل هي الإبادة الجماعية كما حصل مع الشعب الأرمني والمجاعة التي فرضت في لبنان وسورية بنهب المحاصيل ومصادرتها لتموين جيوش السلطنة في حروبها الاستعمارية. والثالثة هي إكراه عشرات الآلاف على الهرب من الجحيم العثماني بالهجرة إلى أنحاء مختلفة من العالم، وخصوصاً إلى الأميركتين. وترافق ذلك كله مع مطاردة نخب المثقفين والأدباء ورجال الدين المسلمين والمسيحيين الذين دافعوا عن الهوية وتصدوا بوسائل شتى لحملات التتريك العثمانية التي استهدفت اللغة العربية والثقافة العربية آنذاك. ويذكر العماد ميشال عون باعتزاز دور مسيحيي الشرق بكنائسهم ونخبهم في تلك الحقبة وكيف انبثقت الأفكار الوطنية والقومية بدور مسيحي رئيسي.
الجنرال الذي تربطه بالكتب رفقة عمر يذكرنا بمطبعة دير الخنشارة وبالشمّاس العلاّمة عبد الله الزاخر، مؤسس أول مطبعة بالحرف العربي في لبنان، وأول مطبعة في الشرق في العام 1733، حيث طبع أول كتاب بالحرف العربي في لبنان وكان بعنوان: «ميزان الزمان»، وقد طبعت منه 800 نسخة ليتوالى في هذا الدير بعد ذلك إصدار الكتب التي بلغ عددها 33 كتاباً عربياً في ذلك الزمان وشكلت بداية نهضة صناعة الكتاب ونشر الثقافة والمعارف في لبنان والشرق انطلاقاً من قمة ومزار يوحنا العمودي حيث يقوم الدير الذي اشتهر بالزاخر وبالمطبعة التي أنشأها وخلدت ذكراه.
يعلن العماد ميشال عون عن قرار التيار الوطني الحر بإحياء ذكرى شهداء الاستقلال في السادس من أيار هذه السنة، مستغرباً إلغاء عيد الشهداء ووقف تقليد الاحتفال الوطني السنوي بهذه المناسبة. وسيجمع التيار في احتفاله بين تخليد ذكرى شهداء الدفاع عن فكرة استقلال لبنان وذكرى شهداء الإبادة الأرمن وشهداء المذابح التي استهدفت السريان في تركيا، وبالتالي تخليد شهداء مسيحيي الشرق وشهداء استقلال لبنان في مناخ التصدي لخطر الإرهاب التكفيري الذي يجتاح المنطقة ويهدد دولها وشعوبها قاطبة.
من الوجهة الاستراتيجية يتفاءل العماد عون بفرص دحر عصابات التكفير والتغلب على المخاطر بوعي الجميع للخطر الوجودي المشترك، وبشبك الجهود والطاقات جميعاً وبروح المبادرة التي أظهرتها التطورات الأخيرة في الميدان السوري. ولكنه يتوقف ملياً امام الخسائر المتراكمة بفعل مرور الزمن واستمرار المخطط التدميري الدموي ومع بطء التحولات السياسية في المنطقة والعالم بعدما تكشف من وقائع صارخة تفرض الاستدارات الجارية في العديد من المواقف نتيجة ارتداد الخطر والتهديد.
يعيش العماد عون هم إنقاذ لبنان ووقف المراوحة وعدم خسارة المزيد من الزمن في السباق مع التحديات المتغيرة في ظل التحولات الكبرى التي يعيشها العالم، وفي تفكيره أجندة إصلاحية متكاملة للدولة ولمؤسساتها وللمالية العامة ولطرق عمل الإدارة وكذلك للنظام السياسي وللاقتصاد الوطني، وهو لا يقف في مقارباته عند حدود رد الاعتبار لنصاب التوازن الوطني من خلال انتخابات الرئاسة الأولى وقانون الانتخاب النيابي … يبقى لنا الاستنتاج أن ما بين الجنرال والسيد حسن نصر الله من تناغم فيه قوة التفاؤل بالمستقبل على مستوى المنطقة كلها وليس فقط في لبنان الذي لا يمكن أن يصنع خلاصه بمعزل عن محيطه ومنطقته.