«الآلية»: انتظَروها من الخصوم فأتت من الحلفاء كلير شكر
باستثناء «انزلاقة» غطاس خوري الكلامية خلال أحد البرامج التلفزيونية، مؤكداً أنّ زيارة سعد الحريري لن تكون قصيرة، فإنّ بقية «رفاقه» يتكتمون على تفاصيل موعد «رحلة المغادرة».
أصلاً هؤلاء لا يعرفون كثيراً عن أجندة «الشيخ» وغير مطلعين على جدول أعماله، لا بل يتجنب معظمهم الخوض في متاهات السؤال عن أولويات «ساعته السياسية»، ربطاً بمحاذير أمنية لا تزال تطرق على الأبواب، وتجعل المسألة من «المحرّمات».
ولكن ما صار مؤكداً هو أن العودة الثانية لا تشبه أبداً الأولى، لا بل تكاد تكون هي الفعلية. يبدو جلياً أن ثمة موالاً في رأسه يريد أن يغنّيه، وهو يجهّز الألحان والكلمات… هذه المرة قرّر الرجل أن يغوص في وحول المستنقع اللبناني، وكأنه لم يكن غائباً. يسأل عن تفاصيل التفاصيل ويناقش في دقائق الأمور، لدرجة أنّه لم يترك ملفّ آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء لرئيس الحكومة، المفترض أنّه المعني الأول بهذا الملف، لا بل راح يديره بنفسه.
غاب عن بال الرجل أنّه رئيس حكومة سابق، وأنّ صاحب لقب «دولة الرئيس» هو تمام سلام، فأمسك هاتفه وراح يجري الاتصالات مع القوى المعنية للتشاور في مسألة الآلية. هو متحمس جداً لتحرير القرار في مجلس الوزراء من قيود «مزاجية» الجالسين على الطاولة، بعدما تحولوا إلى وزراء برتبة رؤساء يتحصّنون بعضلات «متضخمة»، كان لا بدّ من إعادتها إلى حجمها الحقيقي.
أول من تواصل معهم كان الرئيس ميشال سليمان الذي أحدث «حراكه التمردي» استغراباً، لا بل صدمة، في أوساط قوى «14 آذار» على طريقة: «حتى أنت يا بروتس؟».
كان التساؤل مركّزاً داخل أروقة هذا الفريق على ما يبتغيه رئيس الجمهورية السابق من وراء هذه الخطوة، عما قد يجمعه ببطرس حرب أو بميشال فرعون… وليس حول مدى أحقية الخطوة وميثاقية الصرخة الموجهة.
انتظرها «المستقبليون» من الخصوم فأتتهم من الحلفاء! لم يتوقعوا أن يكون «السليمانيون» و «الكتائبيون» في واجهة الاعتراض على تعديل الآلية، بعدما أبدى العونيون ليونة قد تساهم في تسريع الخطوات الحكومية.
بالنسبة لهؤلاء، فتّش عن المزايدة المسيحية… هي الداء والدواء التي تدفع بهؤلاء إلى الإمساك بشحمة الآلية لوضعها على فطيرة الحوار الحاصل خلف ظهرهم، وتحديداً بين «التيار الوطني الحر» و «القوات»، طالما أنّهم واثقين أنّ صدر حليفهم الأزرق رحب وسيتسع لتمرّدهم.
طبعاً، لا يعارض البيك البيروتي توجه «الشيخ» سعد طالما أن الأخير هو الأصيل، مع أنّ رئيس الحكومة هو الذي بارك الصيغة القائمة، انطلاقاً من حرصه على التوافق، كما يقول عارفوه، ورغبة منه في احترام موقع الرئاسة وعدم استسهال الفراغ، لكنه حذّر يومها من مخاطر الشروط التوافقية، وأول هذه المخاطر، هو التعطيل. وهذا ما حصل بالفعل.
وهو كرر هذا الكلام في الجلسة الأخيرة أمام الوزراء، بعدما أكد أن التعطيل الحاصل والاعتراض الذي يسجله البعض على الاقتراحات المقدمة، ليس من باب حماية موقع الرئاسة ولا حرصاً على صلاحياتها، ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالكرسي الأولى. ولهذا لا بدّ من تفاهم لتسيير عمل الحكومة.
هنا يسترسل عارفو رئيس الحكومة بسرد نماذج ـ وقائع كانت تحصل على طاولة مجلس الوزراء تماشي الروح التوافقية، لكنها في الوقت عينه لا تعطل الحكومة. أكثر من مرة سجل جبران باسيل تحفّظه على قرار يتخذ بالأغلبية لكنه كان يسهّل صدوره، كذلك فعل علي حسن خليل وأرتور نظاريان… وكل ذلك في سبيل إبقاء الأوكسيجين في عروق الحكومة.
عملياً بمقدور رئيس الحكومة أن يدعو في أي لحظة الى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، كما يؤكد عارفوه، انطلاقاً من جدول الأعمال الأخير الذي لم ينته الوزراء من مناقشته بعد، وليس هناك حاجة إلى وضع جدول أعمال جديد كما يعتقد البعض.
ومع ذلك، فحتى اللحظة لا تزال المشاورات في مكانها، ولم تتقدم أي خطوة نحو الأمام. «التكتل الثلاثي» مصرّ على رفض أي تعديل للآلية تحت عنوان عدم المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية، وهو متسلّح بفكرة أن أداء الحكومة لم يكن أبداً عاطلاً. ما يعني فرط الإجماع المطلوب لإحداث التغيير… فيما رئيس الحكومة يتسلّح بصبره، علّه يساعده على إحداث الإنفراج.
«التكتل الثلاثي» التأم مجدداً تحت اسم «اللقاء الوزاري التشاوري»، يوم أمس، لكن في دارة الرئيس أمين الجميل في سن الفيل هذه المرة، وحضره الرئيس ميشال سليمان، نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل، الوزراء: بطرس حرب، اليس شبطيني، عبد المطلب حناوي، رمزي جريج، سجعان قزي، الان حكيم والوزير السابق خليل الهراوي واعتذر الوزير ميشال فرعون بداعي السفر الى البحرين بعدما اتصل بالرئيسين أمين الجميل وميشال سليمان للتشاور.
وقد توافقوا على «تأكيد حرصهم على استمرار عمل الحكومة وعدم عرقلتها، وأن تعمل بروحية تسيير شؤون الناس والدولة الى أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويدعمون بقوة مساعي الرئيس تمام سلام الرامية الى خلق بيئة إنتاجية في جلسات مجلس الوزراء، ويجدون أن مصدر العطل الحقيقي الذي يصيب كل المؤسسات الدستورية من مجلس نيابي وحكومة وإدارات عامة، هو غياب رئاسة الجمهورية. لذلك فإن معالجة هذه الأعطال تبدأ بانتخاب الرئيس، وحينئذ ينتظم عمل كل المؤسسات وتسقط دواعي البحث عن آليات بديلة».
(السفير)