من هم “معتدلو” واشنطن مجددا ؟
غالب قنديل
تعالت صيحات الإعلان الأميركي عن تدريب أفواج جديدة من مرتزقة الحرب على سورية وبشيء من التشدد اللفظي استعملت واشنطن تعبير ” المسلحين المعتدلين ” واختارت مكانا للتدريب في موطن “الاعتدال” تركيا العثمانية بقيادة سلطان داعش رجب طيب أردوغان وقدمت البروباغندا الأميركية الحدث على انه انطلاقة جديدة في مسار الحرب الكونية ضد الدولة الوطنية السورية وضد الإرهاب معا وفقا لتخريفات باراك اوباما وجون كيري المتكررة .
اولا إن برنامج التدريب الأميركي انطلق في تركيا والأدرن والسعودية وقطر ولبنان قبل اكثر من ثلاث سنوات ونصف وكان افتتاح معسكرات التدريب حينها اول قرار اتخذته غرفة القيادة المشتركة للعدوان على سورية في قاعدة انجرليك لتشكيل فصائل ما سمي بالجيش السوري الحر التي انبثقت منها لاحقا جحافل التكفير والإرهاب واكلت بعضها في تناحر لصوصي دموي على النفوذ وتقاسم الأسلاب والغنائم المسروقة من السوريين واملاكهم العامة والخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة الوطنية والجيش العربي السوري وقد شرعت تظهر منذ ذلك الوقت عناصر اجنبية من شبكات التكفير العالمية في عداد تلك الفصائل التي تصدرها مجرمو حرب من تنظيم الأخوان المسلمين وشبكة القاعدة احتلوا الصدارة .
ليس من المصادفات ان يعترف خبراء ومسؤولون اميركيون بأن متدربي المعسكرات الذين تم تخريجهم تحت راية ما يسمى بالجيش الحر لم يلبثوا ان يصلوا إلى سورية حتى يتحولوا إلى جبهة النصرة وداعش او يعلنون عن هوية تكفيرية ومتطرفة اخرى لا تقل توحشا عن هذين الفصيلين .
ثانيا تحت يافطة الاعتدال يجري تجميع أفواج جديدة وقديمة من الإرهابيين والمرتزقة وثمة تقارير تتضمن معلومات خطيرة عن خطة اميركية تركية تمولها قطر والسعودية كالعادة محورها تلميع صورة جبهة النصرة وتقديمها في حلة جديدة انطلاقا من علاقتها الوثيقة بإسرائيل في الجبهة الجنوبية وقد لاحظت مصادر واسعة الاطلاع سلسلة من التدابير التي اتخذتها قيادة جبهة النصرة ( التي هي فرع القاعدة الرسمي في سورية ) عملا بخطة غسيل السمعة ومنها إبعاد العناصر الأجنبية عن واجهة التنظيم وتقديم العناصر السورية ومحاولة ضبط سلوكيات عناصر الجبهة وإرهابييها في مناطق سيطرتها وقد واكبت هذه الخطوات حملة دعاية منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني تتناغم مع مقالات وتحقيقات ظهرت في الصحافة الغربية تتبنى توصيف إرهابيي النصرة بالمعتدلين وبالقوة السورية المعارضة وتجند العديد من أعضاء ائتلاف اسطنبول الأخواني في هذه الحملة السياسية المشبوهة المدفوعة بالمال الخليجي وفي الخلاصة تلعب الولايات المتحدة مع عملائها لعبة الحاوي الذي يخرج من جيوبه في كل مرة شيئا جديدا حتى إذا فقد الحيلة خلع بنطاله وأبرز عقيرته للنظارة.
ثالثا ظهرت توقعات بقيادة رجب طيب أدروغان لانشقاق محتمل في صفوف داعش بمعونة مجموعات داعشية ترتبط مباشرة بالمخابرات التركية يقدر عديدها بثمانية آلاف مسلح من الأتراك والشيشانيين وسواهم من التكفيريين الآسيويين والغاية إنشاء كيان إرهابي يناسب خطة اوباما لإعادة داعش إلى بيت الطاعة الأميركي ومنع خروجها عن السيطرة بتهديد المملكتين السعودية والأردنية وتأمين القدرة على إعادة توجيه داعش إلى آسيا الوسطى لاستنزاف روسيا والصين بالتنسيق مع طالبان أفغانستان وباكستان ويردد بعض المتابعين ان قسما من قيادات التنظيم وخصوصا من الضباط السابقين في الجيش العراقي يعترضون طريق المخطط الأردوغاني وثمة من يربط تلك الخلافات بالتصفيات الغامضة في صفوف داعش.
يرجح المراقبون ألا يحتاج أردوغان لتنفيذ انشقاق في داعش انطلاقا من غلبة النفوذ التركي على التنظيم الذي ترتبط جميع موارده المالية بالشريان التركي فمبيعات النفط المنهوب والآثار المسروقة من سورية والعراق تجري على الأراضي التركية ومن المصارف التركية تحمل أكياس المال من عائدات الصفقات الجارية إلى خزائن البغدادي بحماية المخابرات التركية وبعلم شركائها من الاستخبارات الأميركية وبعد تقاضي عمولات رجال الحكم العثماني وأزلامه الذين يدبرون الصفقات ويؤمنون الزبائن الأميركيين والإسرائيليين.
رابعا مهزلة تبييض عصابات الإرهاب وتبديل اليافطات والتسميات هي فضيحة جارية متجددة تكشف المأزق الأميركي وعجز حلف العدوان الذي لم يبق وسيلة لم يجربها للنيل من الدولة الوطنية السورية ورمى بكل ثقله المالي والأمني والعسكري المتوحش في استهداف بلد محوري في المنطقة ثبت لأي عاقل انه عصي وصامد وتتعزز قدرته على الصمود بكونه قلعة متقدمة لحلف عالمي مترامي الأطراف تحمل حلقاته الأقوى تبعات كثيرة في دعم الصمود السوري الذي تتكسر عليه موجات متلاحقة من المؤامرات والجرائم الموصوفة ومن الأكاذيب التي تبدو خرافة اعتدال الإرهابيين أشدها قباحة ووقاحة .
تجدر الإشارة ختاما إلى أن من أخطر الظواهر المواكبة لهذه الموجة العدوانية تطويع منابر إعلامية عربية ولبنانية خصوصا في لعبة خبيثة للحد من درجة الاستنفار على صعيد الرأي العام ضد داعش والنصرة تماشيا مع خطة التبييض الأميركية الخليجية العثمانية الجارية وهذا ما يستدعي وقفة خاصة.