مقالات مختارة

فلسطينيون في مؤتمر صهيوني عُقد مؤخرا!؟ د. فايز رشيد

 

عُقد مؤخرا في تل أبيب وفي المكان المسمى بـ “متحف أرض إسرائل” مؤتمر دوري لـ “معهد أبحاث الأمن القومي” , بالطبع بالتعاون مع ” إدارة المعهد المتخصص بعقد مؤتمرات هرتسيليا ومعهد “تخطيط سياسات الشعب اليهودي Jewish People Planning Institute ,تحت عنوان” تحديات تواجه إسرائيل في القرن الـ 21…إسرائيل في منطقة مضطربة”. المؤتمر انعقد يومي 16 -17 فبراير الحالي.مؤتمرات المعهد يحضرها بشكل رئيسي قادة عسكريون متقاعدون .المعهد يعقد مؤتمرات سنوية ودورات شهرية, وأبحاثه في غاية الأهمية, وهو بالفعل أحد المعاهد البحثية الإستراتيجية في الكيان. المعهد مهم لرسم السياسات الإستراتيجية للحركة الصهيونية.

ما هو مُستغرب فيه : حضور بعض الفلسطينيين من منطقتي 48والأراضي المحتلة عام 67 لأعمال المؤتمر! ليس ذلك فحسب بل جرى تسجيل قسم منهم كـ محاضرين , مثل :قدورة فارس كممثل عن حركة فتح ( تحدث في الجلسة الصباحية الأولى في اليوم الأول), د. رامي نصرالله ( تحدث في الجلسة الصباحية الثانية في اليوم الأول) ,د. جمال زحالقة ( تحدث في الجلسة المسائية الثانية في اليوم الأول) ,هذا بالإضافة إلى حضور آخرين معروفة أسماؤهم!.

المؤتمر حضره الصهيونيان مارتين إنديك ودينيس روس بالطبع إضافة إلى قيادات إسرائيلية سياسية منها: نفتالي بينيت ( زعيم حزب “البيت اليهودي” المتطرف الذي لا يعترف بوجود شعب فلسطيني من الأساس) , وزير خارجية الحكومة المؤقتة أفيغدور ليبرمان ( زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” صاحب المواقف المعروفة والمنادي بترانسفي الفلسطينيين من منطقة 48 وآخر اقتراحاته: أنه سيعمل في الدورة الجديدة للكنيست على سن قانون إعدام للفلسطينيين) وقيادات عسكرية: عتاة الجنرالات الإسرائيلين ورؤساء الأجهزة الأمنية واستراتيجيون مؤيدون للحركة الصهيونية و للكيان من مختلف أنحاء العالم .

الحضور الفلسطيني في المؤتمر إلى جانب كل معانيه الرمزية السلبية المسيئة للشعب الفلسطيني أولا , وللمشروع الوطني ثانيا, ولقضية مقاطعة إسرائيل ثالثا, وهي مسيئة إلى الشخصيات التي حضرت رابعا .. هي لحظة فاصلة بين تاريخين في حياة كل واحد منهم. الخطوة مسيئة للأمة العربية أيضا.

الحضور يأتي إلى جانب حضور متطرفين صهاينة!. انعقاد المؤتمر جاء في ظل تغول استيطاني صهيوني لالتهام الضفة الغربية, لقد أقرّت إسرائيل خطة استيطانية جديدة تقضي بـ بناء 65 ألف بيت جديدة في أراضي عام 67 منها 15 ألف بيت في القدس!. وفي ظل اقتحام وزيرين ومئات المستوطنين لباحات الأقصى وفي ظل قتل القوات الصهيونية للفلسطينيين في القدس ومؤخرا في الدهيشة , وفي ظل احتجاز الكيان لأموال الضرائب الفلسطينية , وفي ظل اعتزام الأسرى الفلسطينيين إعلان ما يشبه انتفاضة في السجون ضد التعامل الفاشي للاحتلال معهم!.وأيضا في ظل مخطط تهويد القدس ومخطط جديد لتهويد قرية : “لفتا ” الفلسطينية!.وغير ذلك من الجرائم الصهيونية.

معروف أيضا :أن حضورا فلسطينيا يجري لمؤتمرات هرتسيليا السنوية , وقد كتبنا على صفحات هذه الجريدة في حينها. نعم: مؤسستان إسرائيليتان أخريان تحظيان باهتمام كبير:الأولى هي:”المركز المتعدد التخصصات في هرتسيليا” أما الثانية فهي:”معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي”.الأول يعقد مؤتمرات سنوية منذ عام 2000, أما المعهد فقد أسس بعد سنتين من المركز،وهو أيضا يعقد مؤتمرات وإنما نشاطاته تقتصر على: صياغة تقارير استراتيجية تشكل هي وتوصيات مؤتمرات هرتسيليا, أسساً مهمة لسياسات وقرارات الجهة الإسرائيلية الحاكمة(وهي إلى حد ما خفيّة) والمعبّر عنها في”المؤسسة الأمنية العسكرية” الفارضة للسياسات والقرارات على الحكومات الإسرائيلية.

الحركة الصهيونية وتمثيلها السياسي(إسرائيل) توليان عمل هاتين المؤسسيتن إضافة إلى معهد سياسات الشعب اليهودي أهمية كبرى, مع أن معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي يوازي مؤتمرات هرتسيليا أهميةً, وهو يتبع للوكالة اليهودية مباشرة،إن لم يفقها. وللعلم رأس المعهد منذ إنشائه:الصهيوني الأمريكي ذائع الصيت مستشار الإدارات الأمريكية المتعاقبة لشؤون الشرق الأوسط : دينيس روس، ومن ثم ترك منصبه،وعاد ليشارك في هيئته الرئاسية.معهد التخطيط مع أهميته الفائقة لا يحظى بالتغطية الإعلامية كمؤتمرات هرتسيليا, ويكاد يكون شبه مجهول في العالم العربي.

للسبب السابق ..فإن أعمال مؤتمرات “معهد أبحاث الأمن القومي” لا تجد مصادر كثيرة عنها سوى بعض المواقع باللغة العبرية واللغة الإنجليزية. هناك تعتيم إعلامي مقصود عليه . صياغة التوصيات السياسية وخطة العمل المقترحة .. ستستفيد منها الحكومة الإسرائيلية القادمة … ومن أجل هذا الهدف .. جرى عقد المؤتمر… ليكون التساؤل: وماذا يعني ذلك للفلسطينيين الذين شاركوا في أعماله؟ هل ذلك مهم لهم؟ على ما يبدو يعتبرون أن ذلك مهم!.

هذا في الوقت الذي أعلن فيه مؤخرا 700 مثقف وأكاديمي وفنان ..بريطانيين وأمريكيين ومن دول أخرى مقاطعتهم لإسرائيل !كذلك يبرز التساؤل الآخر: بماذا وكيف سينعكس الحضور الفلسطيني لمؤتمر صهيوني يُعقد في موقع تحت إسم متحف “أرض إسرائيل” ألا يعني ذلك : اعترافا واضحا ممن   حضروا بمشروعية وقانونية الاساطير والأضاليل الصهيونية وأبرزها :” فلسطين … الأرض التاريخية للشعب اليهودي”!؟ بالله عليكم .. هل حضور هذا النفر لمؤتمر صهيوني .. منطقيا!؟. في الإجابة على التساؤل الأخير يحضرني المثل العربي الأصيل “إن لم تستح فافعل ما تشاء!”. وإلى لقاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى