هل جاء دور الجيش المصري؟ حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ ثمة استهدافاً من قوى ودول متعدّدة للجيوش العربية بخلفيات متباينة. «الإسرائيليون» يريدون القضاء أو إضعاف كلّ الجيوش العربية التي شاركت في الحروب مع الكيان الصهيوني، بمعزل عن علاقاتهم الراهنة مع حكومات بعض الدول العربية، فهم يرون في هذه الجيوش قوة كامنة قد تتحوّل في أيّ لحظة إلى خطر على مصالحهم.
الأميركيون والغرب لا يريدون جيوشاً عربية قوية، لاعتبارات وحسابات تتعلق بتأمين الكيان الصهيوني، وحسابات واعتبارات تتعلق بقدرتهم على فرض الوصاية على المنطقة، ووجود جيوش عربية قوية يغني عن الاستعانة بالقوات الغربية، ويضعف احتمالات الوصاية والهيمنة. وبعض القوى السياسية العربية المحلية ترى في الجيوش العربية منافساً لها على السلطة أو عقبة في وجه وصولها إليها.
وعلى الرغم من تباين الدوافع والحسابات بين الدول الغربية و«إسرائيل» وهذه القوى إلا أنّ مصالحها تتقاطع عند إضعاف الجيوش العربية، لا سيما تلك الجيوش القوية والتي لعبت دوراً هاماً في الحياة السياسية. من هذا المنطلق كان حلّ الجيش العراقي بعد الاحتلال الأميركي الغربي، ومن هذه الحسابات انطلقت محاولات ضرب الجيش السوري والسعي إلى تفكيكه ورعاية محاولات الانشقاق التي تمّت في سياق سنوات الأزمة الأربع الماضية، واليوم يأتي استهداف الجيش المصري.
وكالعادة تعتمد الأطراف الخارجية على مواقف الأطراف الداخلية في تحركها المعادي للجيش، فمثلما تمّ وصف الجيش العراقي بأنه جيش صدام، تمّ وصف الجيش السوري بأنه جيش الأسد، وإذا لم تخرج أصوات حتى الآن توصف الجيش المصري بأنه جيش السيسي، إلا أنّ أصواتاً تعالت مشدّدة على أن الجيش المصري هو جيش فرعوني، ووصفه بجيش فرعوني هو وصف عدائي وليس إقراراً بواقع تراثي، فالإشارة هنا إلى قصة فرعون والنبي موسى وليس إلى أيّ أمر آخر، وبعد هذا الوصف بدأت الهجمات ضدّ مواقع الجيش المصري، بدايةً في سيناء على بعد أمتار قليلة من مرابطة جيش الاحتلال الصهيوني، وبدلاً من أن تتوجه البنادق إلى هذا الجيش المحتلّ يجري توجيهها ضدّ قطعات الجيش المصري المرابطة في سيناء، وسرعان ما امتدّت الهجمات إلى مناطق أخرى تغطي الجغرافيا المصرية بكاملها.
ما تشهده مصر الآن من هجمات تستهدف مواقع الجيش والشرطة والمرافق العامة، بما في ذلك سكك الحديد ومحطات تحويل ونقل الكهرباء، يشبه تماماً ما جرى ويجري في سورية وهو ترجمة للتوصيات غربية، هدف هذه الهجمات تشتيت قوات الجيش ونشرها على جغرافيا واسعة على شكل وحدات صغيرة تسهل مهاجمتها، فضلاً عن أنّ ذلك من شأنه أن يكبّد الدولة المصرية والاقتصاد المصري خسائر فادحة، ويجعلها أكثر ارتهاناً للدول الغربية والدول الخليجية، ويحول دون قدرتها على اعتماد سياسة مستقلة.
ما يجري في مصر الآن يسعى إلى تحقيق هدفين مزدوجين في آن واحد: ضرب الجيش المصري والعمل على تفكيكه، والحؤول دون اعتماد نظام السيسي سياسة خارجية جديدة خارج إطار الفلك الأميركي الغربي، وما لم يتحقق هذان الهدفان فإنّ الحرب في مصر، سواء في سيناء أو في المدن الكبرى المصرية لن تتوقف.
(البناء)