«القوة العربية المشتركة» تصطدم بمصالح الغرب.. وإسرائيل وسيم ابراهيم
تدخل مصر عسكرياً في ليبيا، تحت راية «مكافحة الإرهاب»، مرفوض غربياً. التحفظات على ذلك كانت واضحة من الدول الأوروبية الكبيرة التي انضمت إلى واشنطن لإصدار بيان يعلن هذا الموقف. الدعوات إلى تحالف قوات عربية على الأرض، كما أعلنت القاهرة وقبلها إعلام السعودية، بدوره يقابل بصدّ واضح. بعض المخضرمين في شؤون المنطقة يقولون إن الرفض منبعه الأساسي: الخشية الأصيلة من أي تحرك عربي موحد، لا سيما عسكرياً، وخوف الاحتلال الاسرائيلي من أي سوابق كهذه.
برغم كل ذلك، بدأت الجامعة العربية، بإيعاز من مصر ودول الخليج العربي، إعداد مقترحات بشأن القوات العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب. فقبل أن يتحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، داعياً إلى هذه المبادرة، كانت الجامعة العربية قد اقترحت على وزراء الخارجية العرب، الشهر الماضي، بحث إمكانية «تشكيل قوة تدخل عربية مشتركة لدحر الإرهاب». حينها عرض الأمين العام للجامعة نبيل العربي دراسة تبين إمكانية تشكيل هذه القوات، بناء على ميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع المشترك العائدة لعام 1950.
نتائج هذا التحرك، سواء كان مجرد مناورة سياسية أم محاولة جدية، ستتضح في الأسابيع المقبلة. مكافحة الارهاب ستكون في صدارة نقاش القمة العربية التي ستعقد في القاهرة، أواخر آذار المقبل، وسيسبقها، في أوائله، اجتماع لوزراء الخارجية العرب تحضيراً لها.
لكن الأوروبيين، بالاشتراك مع واشنطن، بدوا معارضين لأي عمل عسكري عربي، مصري أو مشترك. سارع الغرب إلى إعلان تحفظاته حينما كانت مصر تعمل على استصدار قرار دولي يشرّع التدخل ضد الإرهاب في ليبيا، بعد مقتل 20 مواطناً مصرياً على يد تنظيم «داعش».
أصدرت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، بيانا من روما، دانت فيه إجرام «داعش» لكنها رفضت الرد العسكري، معتبرة أن ما حصل «يؤكد مجدداً الضرورة الملحة لحل سياسي للنزاع» في ليبيا.
الدول الغربية أعطت الأولوية لجهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة، بين قوات «فجر ليبيا» المرتبطة بـ «الإخوان المسلمين»، والمدعومة من قطر وتركيا، وقوات اللواء خليفة حفتر المدعومة من مصر والسعودية والإمارات. يجري ذلك برغم أن الأمم المتحدة تعترف فقط بشرعية حكومة طبرق، التي تدعم حفتر، في مواجهة حكومة طرابلس «الإخوانية» التي رفضت أحزابها الخسارة في الانتخابات الليبية الأخيرة.
استعراض القوة الذي قام به «داعش»، في مدينة سرت الليبية، لم يجعل مكافحة الإرهاب بعمل عسكري أولوية متقدمة، ولا حتى موازية للحل السياسي، كما هي الحال في العراق وسوريا مثلاً. قال البيان الغربي حاسماً هذا النقاش إنه «لا يمكن لأي فصيل (ليبي) أن يتصدى وحده للتحديات التي تواجه البلاد».
وبرغم ذلك الرفض، عاد الرئيس المصري إلى طرح قضية التدخل عبر قوة عربية هذه المرة، متحدثاً عن عروض تلقاها لإرسال قوات من دول الأردن والخليج العربي. خلال حديثه المتلفز إلى الشعب المصري، أمس الأول، اعتبر السيسي أن «تشكيل قوات عربية مشتركة بات ضرورة ملحة»، مبرراً ذلك بأن «التحديات التي تقابل دولنا ضخمة جداً، ونحن نستطيع التغلب عليها إذا عملنا جنباً إلى جنب».
الرفض الغربي له أسباب أصيلة بحسب بعض السياسيين المخضرمين في شؤون المنطقة العربية. خلال حديث إلى «السفير»، يقول رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي إنه «في العالم لا يوجد أنك تضرب وانتهى الأمر، وتعود وترجع (يضحك). هذا الأمر الذي يخافون منه. يخشى الغرب من أنه إذا دخلت قوات عربية فقط، وأنجزت المهمة وحررت المنطقة، فمعنى هذا أنه صارت هناك دولة عربية واحدة»، قبل أن يعتبر أن «الغرب لن يترك الدول العربية تفعل ذلك، لن يتركهم يلتقون بعضهم مع بعض في قوة واحدة».
قبل كل ذلك، يلفت المجالي، الذي التقته «السفير» على هامش مؤتمر لمكافحة الإرهاب في جنيف، إلى وجود مشكلة عربية تتعلق بمواجهة تنظيم «الإرهاب الدولي». يقول عن ذلك: «طبعاً السؤال عن داعش، ومن أنشأه وكيف، هو محط انقسام في العالم العربي. هناك من يؤمن بداعش وهناك من هم ضده».
لكن طرح السيسي لقوات عربية لم يأت منفرداً، بل سبقته بأيام دعوات مطابقة جاءت من الرياض. فيوم السبت الماضي صدرت صحيفة «الوطن» السعودية، مع افتتاحية بعنوان «تحالف عربي للقضاء على بؤر الإرهاب». روجت الصحيفة لعنوانها عبر انتقاد التحالف الدولي في العراق وسوريا، معتبرة أنه تحت القيادة الأميركية يتبنى «إستراتيجية غير واضحة وربما تفتقر إلى إرادة الحسم». انتقدت أيضاً دعوة واشنطن إلى مواجهة «دواعش ليبيا» عبر «الحلول السياسية»، معتبرة أن «هذا أمر محير في الإستراتيجية الأميركية لازدواجية النظر والتعامل في محاربة الإرهاب».
في خلاصة موقفها، طالبت الصحيفة القريبة من العائلة الحاكمة بتكوين «تحالف عربي»، موضحة أن «مهمته الرئيسية التصدي لكل بؤر الإرهاب وليكن تحت مظلة الجامعة العربية، أو أية مظلة أخرى يتفق عليها التحالف».
وبعيداً عن الدوافع السعودية، تظهر مواقف الأوروبيين وواشنطن بالفعل مقاربة متعارضة. محاولة تسوية الصراع السياسي في العراق وسوريا، على تعقيداته المحلية والاقليمية والدولية، لم تتعارض مع إطلاق عمليات التحالف الدولي «ضد الإرهاب» هناك.
رئيس الوزراء الأردني الأسبق يضع إسرائيل في بؤرة أسباب الرفض أيضاً، خصوصاً أن معرفته لصيقة بحسابات مصالحها، فهو قاد وفد الأردن إلى المفاوضات معها، كما كان مهندس اتفاقية «وادي عربة» للسلام التي وقعها الجانبان في العام 1994.
ويقول المجالي عن ذلك إنه «يجب أن تفكر أن إسرائيل لم تخلق كيفما اتفق. لقد خلقت لتقسيم العرب، خلقت لفصل العرب الأفارقة عن العرب الآخرين، ولأن تكون عصباً للدخول وتخريب أي عملية عربية». في تأكيد لوجهة نظره، يلفت إلى خوف حكومة الاحتلال من أي سوابق تهدد مصالحها، موضحاً أنه «في المغرب (1975) أرادوا عمل ما سمي المسيرة الخضراء، وهو أن يزحف الشعب المغربي إلى الصحراء (المغربية التي كانت تحتلها اسبانيا) ويحتلها بطريقة سلمية. الغرب قام ضدها، إسرائيل قامت ضدها لأنها تخشى أن تُقرر هذه التجربة عليهم».
لكن حتى لو تحققت شروطه، فسيبقى السؤال أين سيعمل تحالف عربي كهذا، إذا تشكل، ما دامت مروحة الصراعات تقف خلفها أيضاً خلافات عربية.
عامل التوتر يصير أشد أيضاً على المستوى الإقليمي، فالصراع مع إيران جعل الهاجس الأول للرياض هو تحجيم نفوذها في العراق وسوريا ولبنان.
وفي سياق الحديث عن مجمل بؤر الصراع هذه، ينقل ديبلوماسي غربي خلال حديث إلى «السفير» أن هناك ترقباً لمناخ أفضل يمكن أن ينجم إذا تم التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني، قبل الموعد النهائي في أواخر آذار المقبل. هذا الديبلوماسي عقد جولة مباحثات مع العديد من المسؤولين الإسرائيليين مؤخراً، وهو ينقل أن «الأولوية الأولى للإسرائيليين هي إيران وحزب الله، وثانياً سوريا، وفي النهاية يأتي الوضع الفلسطيني».
ويؤكد الديبلوماسي أنه «من السذاجة» التفكير بأن هندسة التسوية في سوريا، يمكن أن تحصل من دون حساب دقيق للمصالح الإسرائيلية. يقول عن ذلك إن «إسرائيل طبعاً تحاول إنشاء نفوذ عبر العلاقة مع المعارضة السورية المسلحة، كما أنها مهتمة بالتأكيد بإيجاد منطقة عازلة في الجولان». ينقل عن حكومة الاحتلال تشديدها على أن «وجود حزب الله على الحدود هناك (الجولان المحتل) يفرز مشكلة كبيرة لإسرائيل، لأنه حينها إذا حدث اشتباك فعليها أن تحسب لفتح جبهتين لا جبهة واحدة».
(السفير)