مقالات مختارة

اليهود ليسوا ساميين د . فايز رشيد

 

مفهوم “العداء للسامية”! تهمة جاهزة لإلصاقها بكل من ينتقد سياسات الكيان، والأساطير والأضاليل الصهيونية! لإحساسهم الداخلي المنزرع في رؤوسهم بحقيقة تزوير مقولاتهم، يخافون بل يرتعبون من مواجهتهم بالحقائق الساطعة والواضحة، وضوح شمس النهار . يحاولون وبكل الوسائل القذرة، منع الحقائق حتى بسن القوانين في الدول الحليفة . أوروبا سنّت قانون “غيسو” لمنع التشكيك ب “الرواية الصهيونية عن الهولوكوست” تحت طائلة السجن! عتّموا على روجيه غارودي وغيره ولا يزالون! لم يجد غارودي دار نشر واحدة تنشر له! هذه هي ديمقراطية أوروبا “العريقة”، وهذه هي “ديمقراطية” الكيان التي يتغنى بها حلفاؤه!

الساميون : هم من ينتسبون لسام بن نوح، وعادة لفظة السامية تنطبق وفقاً لعلماء اللغة على القبائل التي سكنت في شبه الجزيرة العربية، وفي بلاد الرافدين (العراق) وفي المنطقة السورية (التي أصبحت فيما بعد سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، وأطلق كذلك على سكان المنطقة الأخيرة اسم “الكنعانيين” في العام 70 م طرد الرومان اليهود من فلسطين إلى أوروبا، وشتتوهم في كل بقاع العالم، وجاء فيما بعد ما يعرف ب “الشتات اليهودي العام” .

“العداء للسامية” هي فكرة حديثة نسبياً ، اخترعها اليهود الأوروبيون رسمياً في القرن التاسع عشر، وأول من كتب حول المفهوم (وفقاً للمؤرخ برنارد لازار في كتابه المعنون ب “اللاسامية، تاريخها وأسبابها” الصحفي الألماني ولهلم ماد في كتابه المعنون ب”انتصار اليهودية على الجرمانية” وكان ذلك عام 1873 . يخلص لازار في استعراضه لهذا المفهوم إلى نتيجة تقول: “إن خاصية المماحكة لدى الطوائف اليهودية أعطت ذرائع سهلة للعداء لليهود . لقد توارت تلك الطوائف خلف سياج، أعتقد أفرادها أنهم مشربون بخاصية استثنائية، اليهودي يفخر بامتياز توراته، حتى إنه يعتبر نفسه فوق وخارج بقية الشعوب، لقد اعتبر اليهود أنفسهم “الشعب المختار” الذي يعلو كل الشعوب، وتلك خاصية جميع الشعوب الشوفيينية” (روجيه غارودي، قضية “إسرائيل” والصهيونية السياسية، دمشق1984) . يتقاطع مع هذا التفسير أيضاً المؤرخ: غوستاف لوبون في كتابه القيّم “مملكة الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة” .

استغل المفكرون الصهاينة هذا المفهوم أبشع استغلال! حاول ليو بنسكر تصويرها على هواه: “اليهود غريبون عن كل الشعوب التي يعيشون بينها، إنهم مطاردون في كل مكان، انسجامهم مع الشعوب يستحيل تحقيقه . . الخ” . جاء من بعده هرتزل ليوظف هذا المفهوم من أجل خدمة الهدف الذي رسمت الحركة الصهيونية تفاعلاته وهو: إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين! . بالتالي يمكن الاستنتاج: حرص هؤلاء المفكرين على تعميق هذا المفهوم، كخطة مهيأة للطرح الابتزازي: بضرورة مساعدة أوروبا والعالم لليهود لإنشاء دولتهم في فلسطين .

هذه الفكرة/الهدف تفاعلت في أوروبا بين رفض من طوائف يهودية أوروبية وأمريكية كثيرة لها وللخطة الصهيونية بإنشاء “دولة اليهود” . تفاعلت الفكرة أيضاً بين مفكري العصر من اليهود: ويقول اليهودي الديانة المفكر كارل ماركس: “اليهودية استمرت بفضل التاريخ لا رغماً عنه، ولذا فإن تحرير اليهود يعني تحرير المجتمعات من اليهودية” . مظاهر تفاعل الفكرة تمثلت أيضاً في دعوات يهودية كثيرة، لاندماج في المجتمعات، ودعوات من بعض مفكري العصر من غير اليهود، لذلك فإنه يعتبر أن فكرة “الأمة اليهودية” هي أيضاً فكرة رجعية المحتوى، وحل المسألة اليهودية يتمثل في اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها”، وتفاعلت في حوار صهيوني داخلي في مكان إقامة الدولة: الأرجنتين، الكونغو، كندا، موزامبيق، أوغندا وغيرها، وأيضاً في الكثير من التساؤلات الأخرى التي حددتها عوامل كثيرة: اقتصادية، سياسية، التحالف مع التوجهات والمصالح الاستعمارية، ومن أهم من عبر عنها مؤتمر الدول الاستعمارية تحت اسم “كامبل بنرمان” .

كل ذلك ينفي الارتباط الروحي لليهود بفلسطين، ويبين التضليل في الأساطير الصهيونية مثل “أرض الميعاد” و”أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” وغيرها، ف”الحاخامات اليهود خافوا من التاريخ اليهودي أكثر من خوفهم من التاريخ العام، حتى عندما ظهر أول كتاب عن هذا التاريخ – تاريخ ملوك فرنسا والملوك العثمانيين – في القرن السادس عشر جرى منعه، وحظرته السلطات الحاخامية العليا في شرق أوروبا ولم يظهر ثانية إلا في القرن التاسع عشر” (إسرائيل شاحاك، التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة، بيروت 1995) .

لقد حاولت الصهيونية ووليدها إسقاط مفهوم كانت هي من اخترعته، وحرصت وتحرص على ترويجه لثلاثة أهداف، الأول: إلصاق السامية باليهود عنوة بما يعنيه ذلك من تثبيت مفاهيم زائفة وتضليلية أخرى مثل “القومية” و”الأمة” و”الشعب” اليهودي . الثاني: تثبيت “العداء” لليهود من خلال “العداء للسامية” . الثالث: إذا تم اعتبار اليهود “قومية” فمن الطبيعي والحالة هذه توضح: “عدالة مطالبتهم” ب”وطن قومي” لهم في فلسطين! .

يحاولون أيضاً إلصاق تهمة “العداء للسامية” بالعرب! ناسين أو متناسين الحقائق التاريخية، التي تؤكد أن العرب هم أصل السامية ولا يمكن لشعب أن يكون عدواً لنفسه! أن لا علاقة لليهود ب”السامية” لا من قريب أو من بعيد (د .عبدالوهاب المسيري، موسوعة الصهيونية و”إسرائيل”، المجلد الثاني: دار الشروق، القاهرة 1999) ومصادر أخرى كثيرة أيضاً .

سامية العرب مثبتة تاريخياً بالمعنى العلمي، أما اليهود فلا يمتون للسامية بصلة . صحيح أن يهوداً عرباً قلة بقوا في فلسطين، وهم يعتنقون الديانة اليهودية، هؤلاء ساميون لأنهم من العرق العربي وليس لأنهم يهوديو الديانة! يؤكد مؤرخون مثل توينبي وغيره (وما أكثرهم! ومنهم يهود: غوستاف لوبون وغيره): أن يهود اليوم لا علاقة لهم بيهود الزمن القديم . هذا دليل إضافي على صحة ما نقول .

الحركة الصهيونية حريصة على تعميم مفهوم “العداء للسامية” على مستوى العالم، وتكريس اليهود ك”شعب سام”، والترويج بأن العرب “معادون للسامية”! والترويج بأن “العرب يضطهدون اليهود” وأنهم “اضطهدوهم تاريخياً”!

التاريخ يثبت بما لا يقبل مجالاً للشك، أن اليهود عاشوا ويعيشون في المجتمعات العربية مثل كل الطوائف والمذاهب والأعراق والإثنيات الأخرى وعلى قدم المساواة . إن العصرالذهبي لليهود كان في الأندلس إبان الحكم العربي- الإسلامي لها . إن الكيان هو الذي اقترف ويقترف الأساليب القذرة لإجبار اليهود في الدول العربية على الهجرة إلى كيانه ومن أبرز العمليات الإرهابية : تفجير سفينة مهاجرين يهود إلى فلسطين، وهي فرنسية تحمل اسم “إشتيا” في عرض البحر عام 1939 لكسب التعاطف الدولي مع قضيتهم! تفجير كنيس مسعودة في بغداد عام ،1950 فضيحة لافون في القاهرة عام ،1954 التهديدات التي يتلقاها يهود الدول العربية من أجل الهجرة، وما خفي كان أعظم، مثلما يقول المثل!

إن علماء التاريخ العمالقة يؤكدون، أن لا وجود لآثار يهودية في فلسطين، وأن “لا ارتباط روحياً لليهود بأرضها”، وأن من عاش في فلسطين هم الفلسطينيون الكنعانيون العرب، من أبرز المصادر، مؤلفات: كاتلين كينون في كتابها “علم الآثار في الأرض المقدسة”، بيتر جيمس في كتابه “قرون الظلام”، توماس تومسون في كتابه “التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي” غوستاف لوبون في كتابه “تاريخ الحضارات الأولى”، أرنولد توينبي . . . وكثيرون غيرهم .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى