قاعدة «سليمان شاه» على خط معارك الشمال السوري عامر نعيم الياس
39 دبابة تركية دخلت الأراضي السورية لنقل رفات المقبور جدّ مؤسّس الدولة العثمانية سليمان شاه، 39 دبابة نقلت الرفات بمرافقة 60 آلية عسكرية أخرى، لا يعرف ما إذا انسحبت من الضريح المحتلّ بموجب اتفاقية تركية فرنسية عام 1921 لا تزال سارية المفعول حتى هذه اللحظة. نقلت الرفات، لا يُعرف إلى أين، إلى سورية أم إلى تركيا، لكن الثابت هو تصريح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو: «الرفات ستعود إلى منطقة سورية أخرى تحت السيطرة التركية»، تلويح بضريح بديل داخل سورية وليس داخل تركيا، لرفات تحجّجت بها تركيا للتدخل في سورية ونقلها إلى مكان آمن، فهل يُفترض أن يكون المكان الآمن في سورية، أم داخل الأراضي التركية؟
التقارير الإعلامية تحدثت عن نقل الرفات إلى إحدى القرى الكردية قرب عين العرب، إشارة أخرى لا تقلّ غموضاً عن تلميح بعض وسائل الإعلام إلى نقل الرفات إلى تركيا تمهيداً لإعادتها إلى سورية، غموضٌ يُراد به فتح الأمور على كافة الاحتمالات بالتزامن مع تطوّرين ميدانيّين بارزين، الأول إعادة تحريك جبهة شمال سورية من جانب الجيش السوري والقوات الحليفة تمهيداً لإحكام الطوق على حلب وخرق حصار بلدتي نبّل والزهراء، والثاني التحضيرات الكردية لشنّ هجوم على مدن جرابلس وتل أبيض ومنبج، مع ما يحمله ذلك من تهديد مباشر للأتراك الذين يخشون من انعكاس تطوّرات الوضع الكردي في سورية على الداخل الكردي في تركيا.
لا يقف الغموض حول الظروف التي رافقت التدخل العسكري التركي لنقل الرفات عن تلك المتعلقة بنص الاتفاق الأميركي التركي حول تدريب المسلّحين العملاء للغرب في سورية، مع عدم وضوح بنود الاتفاق، ومراعاة الإعلام الغربي الإبقاء على الغموض في ما يتعلق بمواقف الأميركان والأتراك من الغاية من «تدريب وتجهيز» المسلحين عما إذا كانت لمحاربة «داعش» كما تريد واشنطن علناً، أم محاربة الدولة السورية و«داعش» وفق التمنيات التركية، التي يبدو أنها تحققت في جزء منها لحظة الدخول بشكل علني إلى منطقة ضريح سليمان شاه، والمرور في محاذاة عين العرب السورية التي حرّرتها «وحدات حماية الشعب»، والتي تنظر إليها أنقرة بعين الريبة، لكن الأساس يبقى في التزامن بين الدخول التركي والتوصل إلى اتفاق مع واشنطن حول ملف تدريب المسلحين الموالين للغرب.
ذلك التزامن الذي يكشف حساسية معركة الشمال السوري بما يتجاوز الخلافات الشكلية ضمن المعسكر الغربي حول سورية، فالتدخل العلني العسكري التركي إلى سورية ما كان له أن يتمّ لولا الموافقة الأميركية على ذلك، ولولا إدراك واشنطن لحساسية الوضع الميداني في سورية بعد فتح جبهتي الجنوب والشمال من جانب الدولة السورية والتقدّم السريع الذي حصل في كلتا الجبهتين، ما استدعى الأطلسي ممثلاً بتركيا إلى سورية في ظل المأزق الذي يعيشه الكيان الصهيوني في جنوب سورية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الواضح أنّ التدخل العسكري التركي جاء ليرسل رسائل سياسية بالإنابة إلى كافة القوى التي يهمّها الأمر وفقاً للتراتبية التالية:
الأهمية القصوى لحلب باعتبارها المعركة الأخيرة والأهمّ في سورية، والتي تتحدّد بموجبها خواتيم السياسات والخيارات التي اتّبعت في سورية على مدى الأعوام الأربعة المنصرمة.
العجز في الجنوب من جانب الكيان الصهيوني لا ينطبق على جبهة الشمال، وتركيا مستعدّة للتحرك لحماية مصالحها ومصالح المحور الذي تنتمي إليه.
ضريح سليمان شاه وتركيز رئيس الوزراء التركي على «نقل الرفات إلى منطقة أخرى في سورية تحت السيطرة التركية»، رسالة إلى استعداد الأتراك المضيّ قدماً في سلخ أيّ جزء يريدونه من الأراضي السورية تحت راية حماية مشروعهم وإرثهم الاستعماري، فضلاً عن الاستعداد للمضيّ قدماً في المواجهة مع المحور المقاوم إذا اقتضى الأمر، وهنا تحضر الرسالة الأهمّ وهي ردع سورية وحلفائها عن المضيّ في معركة حلب، خاصةً في ضوء سماح الأتراك لمئات المسلحين بالتدخل في المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري في ريف حلب لاستعادتها بأيّ ثمن.
الأكراد هم الآخرون مستهدَفون في غموض مصير الرفات التي أشارت بعض التقارير أنها في إحدى القرى السورية الكردية، وبالتالي فإنّ تحركهم لشنّ هجوم على مدن كبرى على طول الشريط الحدودي مع تركيا بات محكوماً بوجود عسكري تركي علني في منطقة العمليات يتجلى بقاعدة ضريح سليمان شاه.
جملة من الرسائل السياسية يوجهها التدخل العسكري التركي العلني في شمال سورية ابتداءً من محور المقاومة وليس انتهاءً بالأكراد، ولكن الحقيقة المؤكدة أنّ معركة الشمال مصيرية، وأنّ اتفاق واشنطن وأنقرة على تدريب المسلحين بدأ على شكل تدخلٍ عسكريّ تركي في سورية.
(البناء)