لأنّ الإرهاب أصبح عالمياً… لتكن مواجهته عالمية د. عصام نعمان
أصبح الإرهاب ظاهرة العصر. لتنظيماته خلايا نائمة وفصائل ضاربة في معظم بلاد العرب. يحتلّ في العراق نحو ثلث مساحة البلاد، ومثلها في سورية وليبيا. يضرب في مجمل مساحة اليمن، كذلك في سيناء المصرية وأحياناً في القاهرة ومدن القناة. يقوم بعمليات وتفجيرات وحشية في لبنان وتونس والسعودية والجزائر والمغرب وجنوب السودان والصومال. يخطط كبيرُ تنظيماته «داعش» بحسب مذكرة داخلية لوكالة الإستخبارات التركية كشفتها صحيفة «حرييت» لشن هجمات ضد بعثات ديبلوماسية في أنقرة وإسطنبول تشارك بلادها في «التحالف الدولي ضد الإرهاب»، كما يتسلل الى بلغاريا لشن هجمات في دول الإتحاد الاوروبي. هذا ناهيك عمّا ترتكبه فصائله من جرائم وفواجع في افغانستان وباكستان ونيجيريا والنيجر والكامرون، وخلاياه النائمة في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا واسبانيا واستراليا وغيرها.
دول العالم استشعرت خطورة الإرهاب وفعاليته فأقامت «تحالفاً دولياً» لمحاربته في العراق وسورية. اكتشفت لاحقاً عالميته فعقدت 60 دولة في واشنطن قمة دولية لمحاربة التطرف والجماعات الإرهابية.
باراك اوباما اختتم اعمال القمة الدولية بتذكير ممثلي الدول المشاركة بدعوته من على منبر الامم المتحدة في ايلول الماضي الى القضاء على التطرف وبتقديم اقتراحات ملموسة في هذا المجال خلال الدورة المقبلة في الخريف، مشدداً على ان الاضطهاد على اساس العرق والدين من شأنه تغذية الإرهاب والتطرف، محذراً من استغلال الإرهابيين للأوضاع الصعبة الإقتصادية والإجتماعية من اجل تجنيد مقاتلين، ومؤكداً ضرورة توفير فرص التعليم خصوصاً للبنات، ومنح الفرصة للنساء لأن المجتمعات لا تنجح من دون مشاركة المرأة.
كان لافتاً قول اوباما «إن الحملة الإرهابية بين السنّة والشيعة في المنطقة ستنتهي عندما تحلّ الدول الكبرى خلافاتها عبر الحوار، وليس عبر حروب بالوكالة». هذا الكلام يشكّل اعترافاً صريحاً بأن دولاً كبرى، بينها الولايات المتحدة بطبيعة الحال، تخوض حروباً بالوكالة في دول المنطقة، اي في العراق وسورية تحديداً، كما في مصر سيناء واليمن وليبيا ولبنان.
من هم وكلاء اميركا وغيرها في حروب المنطقة؟
لنبدأ ببلاد الرافدين. ثمة حرب يخوضها «داعش» ضد العراق، دولةً وشعباً، اي ضد كل مكوّناته، شيعة وسنّة وكرداً ومسيحيين وازيديين وصابئة. في البدء كانت الولايات المتحدة تتغاضى عن هذه الحرب الإرهابية ضد حكومة نوري المالكي، وتقدّم الدعم العسكري لـِ»داعش» بقصد إضعاف حكومة المالكي الفئوية التي كانت تتلقى دعماً من ايران. لكن ما ان تهاوت حكومة المالكي وتمكّن «داعش» من السيطرة على مدينة الموصل والإنطلاق منها لمحاولة السيطرة على أربيل حتى عدّلت الولايات المتحدة سياستها فألتقت مع إيران في تقديم الدعم لحكومة كردستان العراق لرد هجمة «داعش» على أربيل، كما في مضاعفة دعم حكومة بغداد لمواجهة تمدد الإرهاب الى سائر محافظات البلاد.
الى ذلك، باشرت ادارة اوباما نهجاً لافتاً قوامه تشجيع عشائر محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار، وجلّ سكانها من أهل السنّة، على اقامة تنظيمات للحرس الوطني تتولى، بالإستقلال عن الجيش العراقي، مهمةَ مقاتلة «داعش»، متبنيةً مقولة اصدقائها القدامى من زعماء «الصحوة» بأن الجيش العراقي بات تنظيماً شيعياً وان من حق أهل السنّة ان تكون لهم قوات مسلحة للدفاع عن انفسهم.
صحيح ان الشقاق السني الشيعي في العراق لم يتطور الى حرب أهلية، لكن مبادرة ادارة اوباما الى دعوة زعماء عشائر وجماعات سنيّة الى واشنطن لتحريضهم على اقامة تنظيمات أمنية خاصة خارج إطار الجيش العراقي تشير بوضوح الى قيامها باستخدام السلاح الديني والمذهبي في سياستها. وفي هذه الحال، هل يبقى لتحذير اوباما من استخدام الإرهابيين للدين والإيديولوجيا المتطرفة من صدقية في حربه على الإرهاب؟
في سورية تتضح ازدواجية الولايات المتحدة حيال مسألة الإستعانة بالوكلاء في «حربها» على الإرهاب. فهي لا تخفي تزويدها مقاتلي المعارضة السورية «المعتدلة» اسلحةً ومعدات ليس لمحاربة «داعش» و«النصرة» بل لمحاربة الجيش النظامي السوري الذي يتولى مقاومتهما في كل انحاء البلاد. والحال ان «داعش» و«النصرة» تمكّنا من السيطرة على مواقع «الجيش السوري الحر» وغيره من التنظيمات «المعتدلة» والحصول تالياً على اسلحتها التي كانت اميركا وحلفاؤها قد زودتها بها.
هذا الإخفاق المدوّي في ادارة الصراع ضد الإرهاب في سورية حمل بعض المراقبين على الظن بأن استمرار الولايات المتحدة في تسليح المعارضة السورية «المعتدلة» إن هو إلاّ طريقة ملتوية لتأمين وصول السلاح والعتاد الى «داعش» و«النصرة»! حتى سفير اميركا السابق في دمشق روبرت فورد سفّه مبادرة تسليح المعارضة «المعتدلة».
تزداد الشكوك حدةً مع قيام الولايات المتحدة وتركيا بعقد اتفاق لتدريب وتجهيز خمسة آلاف مقاتل للمعارضة «المعتدلة» ومن ثم إرسالهم الى سورية لمقاتلة «داعش» و«النصرة» و…الجيش السوري! حتى لو افترضنا جدلاً ان هؤلاء المقاتلين الجدد المدربين لن ينهزموا امام فصائل الإرهابيين ويسلّموهم اسلحتهم، فإن سؤالاً ملحاحاً يبقى منتصباً: هل بإمكان خمسة آلاف مقاتل سوري «معتدل» ان يحاربوا في آن واحد الفصائل الارهابية والجيش السوري؟!
يتحصّل من هذه الواقعات والتطورات ان الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى والصغرى لم تتوصل بعد الى اقتناع حاسم بأن الإرهاب اصبح خطراً عالمياً يستهدف جميع الدول والشعوب التي لا تجاري قياداته مذهبياً وسياسياً وثقافياً. والحال انها تثابر على تنفيذ مخططات سياسية وأمنية تستهدف دولاً في المنطقة تقع خارج نطاق تبعيتها المباشرة او تشكّل عائقاً امام تنفيذ مخططاتها.
آن الأوان، بعد كل التمدد والتوسّع والكوارث التي حققتها مختلف تنظيمات الإرهاب في عالم العرب والمسلمين وفي سائر انحاء العالم، لتقتنع كل الدول بأن الإرهاب هو آفة العصر ويهددها جميعاً، وان محاربته تستوجب اعادة النظر بسياساتها ومخططاتها الراهنة فتقدّم مواجهة الخطر الأهم على الخطر الأقل أهمية والتناقضات الرئيسة على التناقضات الثانوية في العلاقات الدولية، وتجترح تالياً استراتيجية عالمية متكاملة لمحاربة الإرهاب في كلّ أنحاء العالم.
(البناء)