واهم من يعتقد أن المؤامرة الإرهابية الأميركية ـ التركية الجديدة ستنجح د. فيصل المقداد
نائب وزير الخارجية السورية
أعلن وزير خارجية نظام رجب طيب أردوغان أنّ تركيا والولايات المتحدة قد وقعتا اتفاقاً لتدريب وتسليح عناصر سورية لمحاربة الدولة السورية، ولسخرية القدر فقد ادّعى وزير خارجية النظام التركي أنّ هؤلاء المسلحين سيحاربون «داعش» أيضاً. وكان وزير الخارجية الأميركي قد أدلى بتصريحات مفادها أنّ «السوريين» الذين ستقوم إدارته بتدريبهم في كلّ من تركيا والأردن والسعودية وقطر ستلقى على عاتقهم عملية محاربة «داعش». وبغضّ النظر عن التباينات الواضحة في كلام المسؤول التركي وكلام الخارجية الأميركية والمتحدّثين باسمها، فإنّ مثل هذه التصريحات وغيرها تعني ما يلي:
1 ـ إنّ الترجمة الحقيقية لمثل هذه الاتفاقات تعني إفشال مهمة ستيفان دي ميستورا قبل أن تبدأ، وعلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها أن تخجل من الموافقة على خطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة دي ميستورا لإعادة الأمن والاستقرار إلى سورية، بينما هي تلتفّ على هذه الخطة عملياً في وضح النهار من خلال قرار تدريب الإرهابيين بالتعاون مع تركيا وغيرها لتوظيف مزيد من القتلة وإرسالهم إلى سورية لقتل خطة الأمم المتحدة. إنّ هذا القرار هو حكم مسبق من قبل هذه الدول على فشل مهمة المبعوث الخاص التي دعمتها سورية وستبذل كلّ جهد بغية إنجاحها. إنّ الهدف الحقيقي لهذا الاتفاق وغيره من الاتفاقات التي ستوقع مستقبلاً يعني إعطاء دفعة جديدة للإرهابيين لاختبار صمود سورية وإطالة أمد الأزمة فيها، كما يعني قراراً باستنزاف سورية وغيرها لإتاحة الفرصة أمام «إسرائيل» لبسط هيمنتها على المنطقة.
2 ـ فشل أردوغان واستخباراته وتعاونه المكشوف مع المجموعات الإرهابية التي كان قد ابتدعها ودرّبها وسلّحها وقدّم لها المأوى طيلة السنوات الأربع الماضية في تحقيق أحلام الزعيم الإخونجي في النيل من صمود سورية أمام عشرات الآلاف من القتلة والمرتزقة الذين استأجرهم لتحقيق أوهامه.
3 ـ مهما تفنّنت الإدارة الأميركية في تبرير تدخلها السافر هي وأدواتها في الشؤون الداخلية لسورية والتغطية على نواياها الحقيقية في المنطقة، والتي باتت مكشوفة لدول العالم من خلال الدعم المباشر الذي قدّمته الولايات المتحدة لـ»داعش» و»جبهة النصرة» و»الجيش الحر» والكتائب الإرهابية الأخرى، فإنّ الحقيقة أصبحت أكثر من جلية في أنّ الساسة الأميركيين هم الذين يؤمّنون الحماية الحقيقية لهذه التنظيمات الإجرامية الإرهابية. وأكبر دليل على ذلك هو تلك الحرب التجميلية المعلنة من قبل التحالف الأميركي على «داعش» في سورية والعراق والتي تتمّ من خلف الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي تناقض صارخ مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وبخاصة عدم تعاون الولايات المتحدة مع الدول التي تعرّضت لخطر الإرهاب ودوره في تفتيت الدول ونسيجها الاجتماعي واقتصار التحالف على دول أغلبها يدعم الإرهاب.
4 ـ تناقض ما تقوم به الولايات المتحدة من تبنّ لقرارات في مجلس الأمن وعقد مؤتمرات لمكافحة العنف والإرهاب مع سلوكها على أرض الواقع. وما حديث الولايات المتحدة عن مجموعات مسلحة إرهابية معتدلة في سورية وفي أماكن أخرى في العالم، بما في ذلك صلاتها المعلنة مع عصابات «الإخوان المسلمين» التي ارتكبت جرائم في سورية ومصر بشكل خاص، إلا مؤشرات على فشل الإدارة الأميركية في تحديد استراتيجيتها وأهدافها بالشكل المطلوب وقيامها بمراعاة المتشدّدين داخل الولايات المتحدة من ديمقراطيين وجمهوريين ولأدواتها الرخيصة سواء كان ذلك في السعودية أو في تركيا ولحلفائها المتشدّدين المهووسين بعدائهم لصمود سورية. إنّ الالتفاف على المبادئ الراسخة في القانون الدولي الذي يدين تغيير الحكومات والأنظمة من خلال التعاون مع الإرهابيين والمسلحين القتلة أمر يعرّي السياسات اللا أخلاقية التي تتبعها، وبخاصة إزاء الأزمة السورية بالتعاون مع دول مثل فرنسا وبريطانيا، الأمر الذي أصبح سياسة رسمية للولايات المتحدة. ألم يقل الرئيس أوباما أخيراً أنه: «سيلوي ذراع أية دولة أو قيادة لا تنسجم سياساتها مع مصالح الولايات المتحدة» وهذا دليل واضح على الهوة الشاسعة بين السياسة الأميركية في النظرية والتطبيق. ألا يظهر ذلك واضحاً في سياسات الولايات المتحدة موالاة ومعارضة إزاء سورية وأوكرانيا؟
5 ـ نحن في سورية لا نشعر بجديد في هذه السياسات العدوانية الأميركية والتركية سواء كان تدريب مزيد من الإرهابيين في تركيا والسعودية والأردن و»إسرائيل» وقطر أو في بعض البلدان الأوروبية أو تمويلهم أو إرسالهم لممارسة الإرهاب في سورية، فهذا الاتفاق هو امتداد للسياسات الأميركية التركية منذ أربعة أعوام. ألم يعترف الغرب وغيره بتمرير عشرات الآلاف من القتلة عبر تركيا والأردن بشكل خاص إلى سورية؟ لقد أوضحت القيادة السورية في العديد من الفرص أنّ إضافة أعداد جديدة إلى الإرهابيين «المعتدلين» لن يغيّر شيئاً من إرادة سورية والسوريين في التصدّي لهذه الموجات الإرهابية المتوالية المرسلة إلى سورية والتي لم تتوقف منذ اليوم الأول للعدوان على سورية عام 2011 والمستمرّة حتى الآن. فالعشرات من المليارات التي وصلت إلى يد الإرهابيين عن طرق رسمية وأرقام حسابات معروفة لدينا في باريس ولندن وأنقرة واسطنبول والرياض والدوحة لم تشفِ غليل الفاسدين وداعمي الإرهاب من مسؤولي هذه الدول، لأنّ سورية صمدت بشكل أسطوري أمام هذا الفساد وشراء الذمم والإعلام المرتهن لأكاذيب مموّليه ومشغّليه، بل وشوّهت هذه الممارسات الغربية عالم اليوم وتطلعات شعوبه نحو مزيد من العدالة والديمقراطية في العلاقات الدولية وفي ما بين الدول.
6 ـ لم يعد الكثير من دول العالم يتردّد في القول علناً وسراً إنّ السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة وحلفاؤها إزاء الأوضاع في البلدان العربية قد فقدت صدقيتها لأنها هي التي تؤجّج العنف والإرهاب في هذه المنطقة. إنّ نظرة خاطفة على ما يجري من إرهاب وقتل وتدمير في ليبيا، ناهيك عن استمرار الإرهاب في حصد المئات من حياة البشر في ليبيا ومصر وسورية والعراق بدعم وتخطيط وتنفيذ الدول الغربية وأدواتها العربية على رغم أن إنكار هؤلاء لجرائمهم أصبح أمراً مكشوفاً. إلا أنّ كلّ العالم يدرك أنّ مأساة الدول العربية في جنوب المتوسط بدأت بالغزو الأميركي الفرنسي الإيطالي البريطاني السعودي لليبيا، وها هم مَن جلبتهم هذه الدول من إرهابيين لقيادة ليبيا يقتلون الليبيين والمصريين ويفتّتون وحدة ليبيا أرضاً وشعباً. ألا يوجد رادع لهذه الدول يأمرها بالتوقف عن تدمير العالم؟ وأن يتمّ استدعاء محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة قادة هذه الدول ومحاسبتهم على ما اقترفت أيديهم من جرائم بدل أن يتمّ توجيه هذه المحكمة نحو قادة أفريقيا وغيرها بشكل مفتعل ومرفوض؟
7 ـ لقد بدأ نهج الغرب في الاستفراد بالدول المستقلة وذات السيادة من قبل الغرب وعملائه بالتهاوي، وها نحن نشهد اليوم قيام مجموعة من الدول والتنظيمات للدفاع عن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الاتحاد الروسي والصين والأرجنتين والجمهورية الإسلامية الإيرانية ونيكاراغوا وسورية وجنوب أفريقيا وفنزويلا وروسيا البيضاء من بين دول أخرى، إضافةً إلى منظمات تربّت في أحضان الجماهير ومن رحم الظلم والاضطهاد بما في ذلك حزب الله وتنظيمات أخرى في منطقتنا وخارجها.
إنّ إعلان تدريب آلاف الإرهابيين السوريين، وكلّ من يرفع سلاحاً ضدّ حكومته هو إرهابي بموجب القانون الدولي، سيكون في الوقت نفسه إعلان قتل القانون الدولي وكلّ الضوابط التي رسمها المؤمنون بتحقيق الأمن والسلم الدوليين. كما أنّ إعلان ذلك يأتي ليعلن فشل حملة الولايات المتحدة المزعومة ضدّ «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية التابعة لـ»القاعدة».
أما نحن في سورية وفي محور المقاومة، فإننا نعي جيداً أن انتصارنا الحتمي على الإرهاب وأدواته من مرتزقة وفاسدين آت لا محالة.
(البناء)