الغرب وطريق العودة إلى دمشق
غالب قنديل
التقارير الصحافية والمعلومات القليلة المتداولة عن زيارات يقوم بها موفدون غربيون إلى العاصمة السورية تؤكد قدومهم محملين برسائل تتناول طلبات محددة في مجال مكافحة الإرهاب وبعض تلك الرسائل يذهب لما هو أبعد بمناقشة ترتيبات مقترحة لتفعيل العلاقات الثنائية التي تراجعت أو قطعت تنفيذا للأمر الأميركي بإغلاق السفارات في العاصمة السورية بعد انطلاق العدوان الاستعماري.
أولا بات معلوما ان دول الجنوب الأوروبي تمهد لاستعادة حرارة العلاقات مع سورية في جميع المجالات ويشمل ذلك أسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان وقبرص والموفدون من هذه الدول يزورون دمشق ويؤكدون على الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الأميركيون ومعهم فرنسا وبريطانيا في شن الحرب على سورية وبتقديم الدعم لفصائل القاعدة وجماعات التكفير الإرهابية التي تعاظم خطر ارتدادها نحو الغرب كما حذر الرئيس بشار الأسد مبكرا.
ومنذ استضافة المستشارة الرئاسية الدكتورة بثينة شعبان في منتدى أوسلو العالمي توسع نطاق حركة النرويج المكلفة على الأرجح من واشنطن بمهمة فتح خطوط العلاقة مع دمشق وقد ذكرت المعلومات ان وزير خارجية النرويج أكد تعهده بتسهيل أي اتصالات سورية غربية وأميركية خصوصا من خلال تنظيم لقاءات سرية في أوسلو ونقل تعهد حكومته بضمان أمن الزوار السوريين وبتأمين التأشيرات اللازمة مع تأكيد أن النرويج تقع خارج نطاق فاعلية العقوبات الأميركية والأوروبية المتخذة ضد المسؤولين السوريين.
ومؤخرا أفادت مصادر متابعة عن توسع دوائر الزوار نحو مجموعة الكومنويلث التي تشكل قاعدة منظومة الأنكلوسكسونية بقيادة الولايات المتحدة وتضم كندا وأستراليا وبريطانيا العظمى ونيوزيلندا وهي مجموعة منسجمة ومتماسكة وتعمل كفريق واحد في نطاق السياسة الخارجية والأمن وبما هو أبعد من حدود تبادل المعلومات والخبرات.
ثانيا مع تكرار لازمة صعوبة تعجيل التراجع الأميركي الغربي والحاجة إلى بعض الوقت للانتقال إلى إحياء العلاقات المباشرة مع الدولة الوطنية السورية وبعد مطالبة القيادة السورية بشيء من الصبر ريثما تنضج التحولات يؤكد الموفدون الغربيون بدون استثناء على الاعتراف بارتكاب الأخطاء في تشخيص الوضع السوري وبعدم محاولة التعرف على حقيقة ما شهدته سورية من أحداث قبل أربع سنوات وينتقلون مباشرة إلى طلبات محددة للتعاون في مكافحة الإرهاب فتسعى كل دولة للحصول على ما لدى الدولة السورية من تقارير ومعطيات تخص من يحملون جنسيتها من محاربي القاعدة على الأرض السورية والتعرف على مسار تحرك تلك المجموعات ومخاطر انتقالها من جديد إلى بلد المصدر .
القيادة السورية من جانبها تواصل إفهام الزوار أن التعاون الأمني رهن التفاهم السياسي وان الدبلوماسية السرية لامكان لها في القاموس السوري وبالتالي فالتراجع العلني والصريح عن الانخراط في حلف العدوان على سورية واعتماد لغة سياسية جديدة حول الوضع السوري يمثلان المقدمة الملزمة للتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وقد أفهم الموفدون والوسطاء غير الرسميين الذين أرسلتهم بعض حكومات الناتو هذه الرؤية السورية بكل وضوح والحكومات التي وافقت على شروط سورية شرعت تمهد لإعادة فتح سفاراتها في دمشق وهو الأمر الذي شغل حيزا مهما من النقاشات الأوروبية في بروكسيل مؤخرا.
ثالثا الانفتاح السوري على الاتصالات الأجنبية كبير ومستمر ولكن في دمشق تصميما واضحا على تأكيد هوية الدولة الوطنية السورية المنتمية إلى جبهة عالمية مناهضة للهيمنة الأميركية تشغل فيها موقع رأس الحربة إلى جانب شركائها الاستراتيجيين إيران وروسيا والصين الذين يترجمون بالأفعال وبخطوات مهمة عسكرية واقتصادية ومالية وقوفهم مع سورية وشعبها ودولتها الوطنية وقد اتخذوا خطوات كبرى نوعية وبعضها غير مسبوق منذ مطلع السنة الجديدة وتنخرط معهم في دعم الصمود السوري بدرجات تتناسب مع الإمكانات مجموعة البريكس بسائر أعضائها ويتأكد بشكل مباشر في المنطق السوري تجسيد شعار الرئيس بشار الأسد ” التحول شرقا ” كحصيلة حاسمة للتجربة السورية في التعامل مع الواقع الدولي المتحرك من موقع تحرري واستقلالي وفي ظل المكانة المتقدمة التي تشغلها سورية في محورها العالمي كقوة شريكة وطليعية وذلك حاضر وثابت بقوة في العقل السياسي والدبلوماسي السوري.
تتبدى هذه الرؤية في الاقتصاد كما في السياسة والأمن فالقيادة السورية مصممة على أن شركاء الصمود الكبار هم شركاء الإعمار والاستثمار ولذلك لا يتعامل المسؤولون السوريون مع الرسائل الغربية بانهيارات عاطفية بل يدققون في التفاصيل ويستكشفون الأفخاخ والمقاصد الخفية وطبيعة الأطماع والمصالح وبكل عقل بارد يعتبرون أن أي استدارة نحو الاتصال بهم هي ثمرة لصمود وتضحيات شعب وجيش ودولة وقائد وذلك الصمود هو الذي يجبرالمتورطين من حكومات الغرب التي شاركت جميعا في العدوان على مراجعة حساباتهم وسلوك طريق العودة إلى سورية .