هل تكشف ليبيا حقيقة السياسة السعودية؟ عامر نعيم الياس
ندّد مجلس التعاون الخليجي في بيان أمس بما أسماه اتهامات مصر لقطر بدعم الإرهاب. وقال عبد اللطيف الزياني أمين عام المجلس إن «اتهامات مصر باطلة». مشيراً إلى تأثير السياسة المصرية على الوحدة العربية. وكانت قطر قد استدعت سفيرها في القاهرة للتشاور، ردّاً على اتهام مصري لها بدعم الإرهاب.
ويأتي الاتهام المصري لقطر عقب تحفظها على فقرة في بيان للجامعة العربية في شأن الغارات الجوّية المصرية الأخيرة على مدينة درنة شرق ليبيا، ردّاً على ذبح مسلّحي «داعش» 21 عاملاً مصرياً.
وتخلّت مصر عن مطلبها باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لتشريع التدخل العسكري في ليبيا، مطالبةً برفع حظر التسليح الأممي عن الحكومة الليبية الشرعية التي تسيطر على بعض الأجزاء في شرق البلاد، والمعترف بها دولياً بأنها الممثل الشرعي للشعب الليبي. لكن حتى اللحظة، لا يزال التحفظ يلفّ الموقف الدولي من دعم حكومة شرعية وفق التعريف الأميركي، تحارب مجموعات أعلنت بيعتها لـ«داعش» كـ«أنصار الشريعة».
ما سبق يطرح عدداً من التساؤلات حول حقيقة الدور الدولي وتحديداً الأميركي، والإقليمي وتحديداً المحور السعودي ـ التركي ـ القطري في محاربة «داعش». فمن الواضح، وفي ضوء بيان مجلس التعاون الخليجي، أن الرياض التي راعت الصمت إزاء الغارات الجوّية المصرية على ليبيا، قد حاولت تمرير رسالة عدم الرضا وصولاً إلى ليّ الذراع المصرية عبر البيان الذي هاجم السياسة المصرية بوضوح. هنا تحضر لحظة وفاة الملك السعودي عبد الله وعدم وصول الرئيس المصري فوراً لتقديم التعازي، لتعيد تقويم صورة المشهد وحقيقة العلاقات المصرية السعودية في عهد الملك سلمان، إذ لوحظت عودة أميركية قوية إلى الإخوان، ومن ورائها عودة سعودية وإخلال قطري ببنود التوافق أو المصالحة بين الدوحة والقاهرة برعاية الرياض. هنا، يكفي النظر إلى المشهد الإعلامي ممثلاً بقناتَي «الجزيرة» و«العربية»، والتغيّر الفوري في خطابهما حيال مصر بُعَيد وفاة الملك عبد الله لفهم حقيقة الوضع.
تخيف الضربات المصرية الجوّية على ليبيا والدخول في مواجهة مباشرة مع الإسلام السياسي من الإخوان إلى السلفية الجهادية الجميع من دون استثناء. هنا تشكّل ليبيا ساحة توحيد الجهد السعودي القطري والتركي في مواجهة العدو المشترك أي القاهرة. موقفٌ خليجي إقليمي يستمد غطاءه من الأميركي الذي لا يريد لمصر السيسي أن تأخذ طريقاً مستقلاً ولو بالحدّ الأدنى عن سياساته. وبهذا المعنى، أتت تصريحات واشنطن المنتقدة ضمناً لغارات الطيران المصري على «القاعدة» و«داعش» في ليبيا. فالأمر بالنسبة إلى واشنطن كما الرياض، يتعلق بمنع مصر من استعادة دورها الإقليمي الفاعل والممسك بعدد من أوراق القوة الإقليمية بعد مرحلة حكم الإخوان التي حوّلت مصر من دولة إلى فرع من تنظيم عالمي مقرّه الدوحة، تسخّر كافة الإمكانيات لخدمة سياساته المتماهية مع مخطط التفتيت، وتعويم دولٍ على شكل شركات كقطر.
المشير عبد الفتاح السيسي يريد استعادة دور مصر المفقود. هذا ما تعكسه تحرّكاته في مختلف الاتجاهات وفقاً لقاعدة مصالح مرتبطة بمفهوم الأمن القومي لمصر الذي أمر عقب الغارات الجوية على ليبيا بإعادة صوغه. هنا يحضر التقارب مع موسكو واستقبال سيد الكرملين في القاهرة، وإبرام صفقة طائرات «رافال» مع باريس، إذ تعلّق «لوموند» الفرنسية قائلةً: «على رغم الفعالية المحدودة للضربات المصرية الجوّية في درنة الليبية، إلّا أنّ مصر انتقلت من الحياد إلى التدخل المباشر لاعتبارات متعلقة بالداخل المصري أولاً، وثانياً لاعتبارات خارجية. فمصر توقفت عن أداء دورها كقوة عربية كبرى، وهي تريد العودة بقوة إلى الساحة الشرق أوسطية».
تدخل مصر في عهد السيسي عصراً جديداً تتبلور ملامحه يوماً بعد يوم نحو تكريس مزيد من الاستقلالية النسبية وعزل القرار السيادي عن بازار التحالفات مع الغرب. أمرٌ يبدو أن السعودية التي تعتمد مبدأ الرشى في علاقاتها الإقليمية غير قادرة على التكيّف معه، بعد إصرار القاهرة على الدفاع عن أمنها الإقليمي والدخول في صِدام مباشر استباقيّ على الأرض الليبية مع الإسلام السياسي الذي يختزل أدوار الرياض والدوحة وأنقرة ومشاريعها.
(البناء)