«داعش» في ليبيا: نحو توسيع تحالف أوباما الانتقائي عامر نعيم الياس
فرنسا والدول الغربية تقاتل مع أوباما في العراق ولا تقاتل في سورية. يترك أمر سورية للطائرات الأردنية والإماراتية أو ما يسمى قوات التحالف العربي المنضوية في حرب أوباما على «داعش». أما في ليبيا، فتتحرّك مصر لضرب ما أسمته معسكرات تدريب ومخازن أسلحة لتنظيم «داعش»، ردّاً على إعدام 21 قبطياً مصرياً بطريقة وحشية، بالتزامن مع عملية بدأها الجيش الليبي في غرب البلاد لمواجهة «داعش». أولوية يبدو أنها بدأت تطغى على شكل الصراع في ليبيا، كما جرى في سورية والعراق، فهل يتوسع «داعش» في ليبيا؟
حكومتان وبرلمانان يعكسان حجم الاستقطاب الدولي الإقليمي في ليبيا، إضافةً إلى الانقسام الداخلي وحجم المصالح التي كوّنتها الميليشيات المحلية بغض النظر عن أسمائها في مرحلة ما بعد انهيار ليبيا الدولة. إذ يجد مراقب الوضع في ليبيا مشهداً منقسماً بين معادين للإسلام السياسي بشكل شبه كامل منضوين تحت مسمى «عملية الكرامة» التي يقودها الجنرال حفتر، وبين مؤيّدين للتيار الأصولي الراديكالي ممثلاً «بعملية شهداء فجر ليبيا»، مع ما يعنيه ذلك من تقديرَي موقف مختلفين حول حجم تمدّد «داعش» في ليبيا. ففي الوقت الذي تريد الفئة الأولى تضخيم الخطر الإسلامي لضمان التدخل، تعمل الأخرى على التقليل من أهميته، وهو أمر يربك القوى الإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي لا تريد الاندفاع في مغامرة غير محسوبة النتائج في ليبيا على غرار ما حصل في سورية، عندما اعتمدت على تقدير موقف الأمير السعودي بندر بن سلطان ووصلت إلى حائط مسدود كلفها الكثير على المستوى السياسي.
لكن على رغم ما سبق، فإن التدخل العسكري المصري، الذي جاء بالتزامن مع الطرح الإيطالي باستعداد روما لقيادة قوات تحالف دولي في ليبيا بعدما أصبح «داعش» على بعد 350 كيلومتراُ من السواحل الإيطالية وبالتالي الأوروبية، يدق جرس الإنذار بالنسبة إلى ليبيا ويضع ملف تمدّد «داعش» على نار حامية بانتظار تبلور استراتيجية معيّنة لإدارة الحرب في لبيبا، خصوصاً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، وفي تفويض حربه على «داعش» المقدّم إلى الكونغرس، شدّد على موضوع لاجغرافيا العمليات، بمعنى إمكانة تجاوزها حدود العراق وسورية، وهو ما يفرّغ حجّة تركيز الولايات المتحدة على العراق وسورية دون غيرهما من مضمونها على المدى المنظور. والجدير ذكره أن تنظيم «داعش» كثّف حضوره الميداني والسياسي في ليبيا منذ أن أعلن «مجلس شورى شباب الإسلام» في مدينة درنة مبايعته للجماعة في شهر تشرين الأول الماضي، وبعدها اعترف «الخليفة» أبو بكر البغدادي بانضمام أقاليم برقة وفزان وطرابلس إلى «الخلافة»، تلك الأخيرة التي شهدت عدة عمليات نسبها التنظيم إلى نفسه كالهجوم على السفارة الجزائرية والعملية الانتحارية في فندق كورنثيا.
مما لا شك فيه أن مصر السيسي والتي تحاول بناء صورة مختلفة للسياسة الخارجية المصرية تقوم على الالتزام بما تمليه متطلبات الأمن القومي المصري، تحرّكت في ليبيا بناءً على مخاوف من «داعش» تتجاوز فكرة التحالف الدولي، فالخطر الذي يمثله التنظيم في ليبيا يختلف عمّا يمثله في سورية والعراق، هنا صار «داعش» في ليبيا مع ما يعنيه ذلك من تماس حدودي وبوادر توسّع وتجنيد على الحدود الليبية مع مصر والسودان والنيجر والجزائر وتونس وتشاد والبحر المتوسط حيث السواحل الأوروبية. هذا التماس يتجاوز التجنيد إلى إلغاء الحدود كما حصل في سورية والعراق، إذ يتّخذ أوباما من ملف حدود «سايكس ـ بيكو» حجةً للحصول على تفويض بلا حدود من الكونغرس الأميركي. هنا نتوقع من «داعش» عدم الاعتراف بالحدود الليبية ـ المصرية والليبية ـ التونسية، كما يتوقع خلق تواصل بين الجماعات المرتبطة بـ«داعش» من «أنصار الشريعة في ليبيا» إلى «أنصار بيت المقدس» في سيناء المصرية، فهل يكون التحرك المصري منفصلاً عن التحالف الأميركي؟
من غير المكن أن يتم الأمر على هذا النحو، على رغم التحرّك المنفرد لطائرات سلاح الجو المصري. فالأساس القانوني لتوسيع الحرب الأميركية على «داعش» في سبيله إلى التصويت بالكونغرس في آذار المقبل، والقلق الأوروبي من ليبيا بدأ يأخذ منحى عرض الخدمات لقيادة العمليات في البلد المقسّم بريبع الأطلسي، كلّ ذلك سيجري تحت راية تحالف مائع انتقائي لأوباما ترك فيه للدول الحليفة تفصيل حجم التدخل وتحديد جغرافيته وفقاً لمصالحها، فالحليف بإمكانه التدخل في المنطقة التي يشاء والانكفاء عن أخرى، سيناريو مرجّح أن يحصل في ليبيا، ولنا في تساؤل السفيرة الأميركية في ليبيا، ديبورا جونز، في الرابع من الشهر الجاري، المثال الأوضح على ذلك حين قالت: «هل تستطيع ليبيا المقسّمة أن تصمد في مواجهة داعش؟».
(البناء)