ابتزاز نتنياهو وعلاقة من دون أزمات د . فايز رشيد
العلاقة الأمريكية – “الإسرائيلية” لم تمر في كل تاريخها بمرحلة “الأزمة” ولن تمر! هذه إحدى المرتكزات الرئيسية في التحالف الاستراتيجي بين الطرفين . إن ورقة الضمانات الاستراتيجية الأمريكية للكيان عام 2004 تؤكد ذلك، كما أن تاريخ العلاقة بين الطرفين، يسابق مرشحي الرئاسة والرؤساء الأمريكيين الفائزين في كسب الرضا الصهيوني واللوبي الممثل له في أمريكا . مناسبة الحديث إصرار رئيس وزراء الكيان على إلقاء خطابه المزمع في الكونغرس . أوباما احتجاجاً على عدم استشارته سوف لن يستقبل نتنياهو وكذلك نائبه جو بايدن! يدرك زعيم الليكود، أن أوباما عاجز عن الفعل لأنه يمر في مرحلة “البطّة العرجاء” المميّزة للرؤساء الأمريكيين في نهاية المرحلة الثانية من فتراتهم الرئاسية فيمارس ابتزازهم . نتنياهو لا يتميز بعنجهيته وصلفه وجرائمه، وانتهازيته السياسية وكذبه وافتراءاته على التاريخ والحقائق فحسب، بل بوقاحته الشديدة أيضا! هذا أقّل ما يوصف به . . يريد وبوقاحة شديدة إلقاء الخطاب في الكونغرس في منتصف مارس/ آذار المقبل، بناء على دعوة المتصهينين الذين لم يُعلموا رأس هرم إدارتهم برغبتهم كما جرت العادة، وأخذ موافقته على الإجراء! .
يذكر أن زيارة نتنياهو تأتي في ظل احتدام المواجهة بين أوباما والجمهوريين . . فالأول لا يريد فرض عقوبات جديدة على إيران (وأعلن صراحة أنه سيمارس حق الفيتو الرئاسي إذا ما اتخذ الكونغرس قراراً بفرض العقوبات) بينما الجمهوريون وآخرون من نواب حزب الرئيس، يريدون فرض المزيد من العقوبات حتى قبل انتهاء المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي! . معروف موقف نتنياهو حول المسألة فهو يعتبر أن البرنامج هو التحدي الأكبر أمام “إسرائيل” وينادي بل يحرض حليفته الرئيسية على تدمير المشروع، ولطالما هدد باحتمال أن تقوم “إسرائيل” وحدها بتدميره (آخر تصريحاته على هذا الصعيد الخميس 12 فبراير/ شباط الحالي) .
بداية، ليس من الصعب على المراقب استشراف أهداف نتنياهو من إلقاء الخطاب، ولعل أبرزها: هدف انتخابي ومحاولة لتعزيز زيادة شعبيته وحزبه في الانتخابات التي ستجرى بعد أيام قليلة من موعد إلقاء الخطاب (17 مارس) . هدف إثبات اليد الطولى ل”إسرائيل” في قلب عاصمة حليفتها الرئيسية . التوضيح للعالم، بأن هرم الإدارة الأمريكية في كل المراحل يتوجب أن يكون ببغاء لما تريده دولة الكيان، إثبات القدرة على التحكم في القرارات الرسمية الأمريكية، ابتزاز مرشحي الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة لإبداء المزيد من الولاء ل”إسرائيل” .
خطوة نتنياهو إضافة إلى وقاحاتها على أوباما تحمل غدراً وخيانة لواحد من أكثر الرؤساء الأمريكيين تأييداً للكيان، وهو الذي ما زال يحرص إضافة إلى كل ما قدمه من دعم مادي وعسكري وسياسي في كل المحافل الدولية .
إن هذه الخطوة تحمل في طيّاتها تعبيراً حياً عن الحقيقة العنصرية للكيان وقادته . ليس هناك من هو أقدر من نتنياهو في محاولاته المستمرة في الافتئات على الآخرين ومحاولته “تحويل الباطل إلى حق”، والعكس صحيح؟ من يريد معرفة وحقيقة نتنياهو عليه قراءة كتابه الصادر بالعربية “مكان تحت الشمس” في أوائل التسعينات . نتنياهو إرهابي وعنصري فكراً وممارسة، وهو أكثر عنصرية من أعتى غلاة المستوطنين المتطرفين من الصهيونيين، لكنه يتصور أنه قادر على خداع الآخرين بالكلام المنمق الجميل في الحديث عن السلام . إن كل محاولاته مكشوفة تماماً وهو لا يخدع سوى نفسه .
للأسف، بعض سياسيينا وكتّابنا الفلسطينيين والعرب على حدّ سواء يتوقعون تطوراً سلبياً في العلاقات الأمريكية – “الإسرائيلية” . هؤلاء يتحدثون عن إمكانية تطور الموقف إلى أزمة أمريكية – “إسرائيلية” .
بداية، من الضروري القول: إن العلاقات الأمريكية – “الإسرائيلية” على درجة من التحالف الاستراتيجي الذي يقع خارج إطار دخوله مرحلة الأزمة المؤثرة فعلياً في العلاقة بين الطرفين . قد ينشأ بعض التعارض أحياناً حول هذا الموقف أو ذاك، أو حول هذه السياسة أو تلك، لكنه التعارض الآني الثانوي الذي لا يؤثر في استراتيجية العلاقة القائمة بين الطرفين . إن أي مرشح للرئاسة الأمريكية، وأي رئيس ينجح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يضع على رأس جدول أعماله تنمية العلاقات مع “إسرائيل”، ومدّها بمختلف أنواع المساعدات العسكرية والاقتصادية والمالية والدبلوماسية أيضاً وغيرها، إلى الحد الذي يتسابق فيه المرشحون للانتخابات الرئاسية على خدمة إسرائيل وإرضاء قادتها وزعماء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة .
إن ما يبدو في بعض الأحيان: من مظاهر أزمة في العلاقة بين الطرفين هو محض خيال! هذا ما لا نقوله نحن فقط وإنما تثبته الأحداث خذ مثلاً أوباما نفسه وخطابه الشهير في جامعة القاهرة والموجّه للمسلمين والعرب، ومراهنات كثيرين من العرب والفلسطينيين والمسلمين على الجديد في مواقفه من “سرائيل” . أوباما باختصار تنصّل من كل وعوده، وأصبح ببغاء يردد تفاصيل التسوية “الإسرائيلية”! لا نشك بأن الرئيس أوباما سيبتلع الإهانة، رغم تطاول نتنياهو عليه في عقر داره! هكذا عوّدتنا الدولة السوبر عظمى في علاقاتها “الإسرائيلية” .
(الخليج)