الحريري والتهرب من حصاد التورط
غالب قنديل
العبارتان اللتان تصدرتا خطاب الرئيس سعد الحريري تمثلان جوهر موقفه السياسي وبهما تفسر سائر المواقف التي أطلقها في ذكرى جريمة 14 شباط العاشرة فخلاصة القول هي تأكيد الولاء التام للمملكة السعودية وقيادتها في مقاربة جميع القضايا والملفات وبغض النظر عن مصلحة لبنان شعبا ودولة وهذا ما جعل الخطاب يخلو من الواقعية ويحفل بالمكابرة والانفعال هروبا من المراجعة والنقد الذاتي.
أولا بدلا من الاعتراف بارتكابه خطأ الانخراط في المحور الأميركي السعودي التركي القطري وبتوريط جمهوره في رهانات فاشلة على تدمير سورية انطلاقا من دعم جماعات تكشفت هويتها الحقيقية كأدوات عميلة لإسرائيل وبإلحاقه الأذى ببلاده عبر استحضار الإرهابيين وتسميتهم ثوارا رفع الحريري من وتيرة ونبرة التصدي لفكرة كون لبنان جزءا من محور المقاومة في المنطقة انطلاقا من حساب سعودي وليس بناء على حساب مصلحة لبنان وبالتأكيد ليس من موقع رفضه لفكرة انحياز لبنان إلى أي من المحاور الإقليمية فمضمون ما يدعو إليه ما يزال هو الانتماء إلى المحور السعودي الأميركي في المنطقة وهو محور مكرس لفرض الخضوع للهيمنة الغربية والاستسلام لإسرائيل.
لو نظر الحريري إلى الأمور من زاوية حماية لبنان من العربدة الصهيونية بموضوعية لتوجب عليه بدلا من المكابرة بصوت مرتفع الإقرار بأن محور المقاومة أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية وحزب الله أقاموا توازنا إقليميا جديدا ردع إسرائيل وحمى لبنان وكسر عنجهيتها في مخاض المواجهات التي وقعت خلال الأسابيع الماضية ولتوجب عليه الإقرار بأن تهويل حليفه سمير جعجع برد إسرائيلي على عملية مزارع شبعا تكشف عن فراغ وخيبة وبرهن على رسوخ الحقيقة التي تنكرا لها معا بعد حرب تموز 2006 ولكن للأسف أصر الحريري وجعجع على سلوك استفزازي اتجاه حزب الله الذي قدم تضحيات جلى للدفاع عن الوطن في وجه الإرهاب التكفيري والتهديد الصهيوني .
بدا الحريري مراهنا بقوة على ضعف ذاكرة اللبنانيين عندما رفع صوته بالكلام عن التصدي لعدوان تموز الذي لم يفعل فيه وفريقه وحلفاءه بمن فيهم السيد جنبلاط غير طعن المقاومة في ظهرها وشن حملات التحريض عليها وتوهين معنويات الشعب اللبناني وترتيب اتصالات في الخارج لتسهيل الخطة الأميركية للنيل من المقاومة وقد كان من بعض مآثرهم ما جرى في ثكنة مرجعيون .
ثانيا يحور الحريري ويدور ويتحدث بلغة ملؤها الجهل والتجهيل عن الوضع السوري فالعالم يعترف مؤخرا للرئيس بشار الأسد بصحة موقفه وتشخيصه لأدوات العدوان الإرهابية وفي مقدمة المعترفين دول الغرب الكبرى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التي يتباهى الحريري بعلاقته بها وليست الأحقاد هي التي تفسر هذا الموقف الحريري كما يحلو للبعض ان يجتهد أمام الكلام الموتور بل هي التبعية العمياء للموقف وللقرار السعوديين ومعلوم ان الرياض تعاند بشراسة في التكيف مع الحقائق الجديدة حول سورية وهي الراعي الأساسي لعمليات حشد فصائل القاعدة والممول الأهم للعدوان على سورية وقد أقامت جسورا جوية إلى الأردن وتركيا لنقل أطنان السلاح والذخائر والأسلحة الكيماوية لصالح الجماعات التكفيرية الإرهابية التابعة لإمرة بندر بن سلطان ولمشايخ الوهابية المتطرفين وما تزال قيادة المملكة تعتبر انتصار سورية على الإرهاب هزيمة لها.
يفترض ان يكون الشيخ سعد قد اطلع على الاعترافات الأميركية باستحالة النيل من الرئيس بشار الأسد ومن الدولة الوطنية السورية ويفترض انه يعرف جيدا كم مرة خذلته توقعات جيفري فيلتمان التي بنى عليها وعده بالعودة من دمشق فلم المكابرة واللجوء إلى لغة الشتيمة التي تؤكد الخيبة وخسارة الرهان ولا تنفيهما خصوصا في ظل التحولات السورية الجارية بدلا من النقد الذاتي والاعتراف بخطأ التورط في العدوان على سورية وتوريط آلاف المناصرين بمغامرات قاتلة اوقعت قتلى لم يدفنوا ولم تعرف بهم عائلاتهم بينما تنعم آخرون بعمولات بواخر السلاح وبأموال الهبات والمساعدات في تجارة النزوح ولتصنيع الثورة المزعومة.
أين مصلحة لبنان دولة وشعبا في تلك المواقف العدائية وغير المنطقية من دولة شقيقة يتوسل القادة الغربيون سبل العودة إليها فمزاعم الحريري وجنبلاط وجعجع عن رفض التكفير والتصدي للإرهاب لا تنسجم وتطاولهم على الدولة الوطنية السورية ورئيسها والحقيقة التي يوشك العالم بأسره ان يعترف بها هي انه لا مكان وسط بين الرئيس بشار الأسد والتكفيريين عملاء إسرائيل .
ثالثا مجددا طلع الشيخ سعد بكلام ينطوي على الخداع والتضليل حول دور حزب الله في سورية فهو يعلم ان الحزب هو الذي يحمي لبنان مع الجيش وقوى الأمن وأن قتال الحزب في سورية ساهم في الحد من مخاطر الإرهاب على اللبنانيين بينما المستقبل كان مظلة الإرهاب في لبنان وسورية معا وان محازبي الشيخ سعد تورطوا بعلمه في العلاقة مع جماعات التكفير ونشطوا في مساعدتها من تركيا ومن لبنان ومن الأردن وكانوا يتلقون المال الخليجي لشراء الأسلحة وتجهيز شبكات الاتصالات وغرف العمليات الإعلامية وعملوا بتغطية ودعم من المخابرات السعودية والخليجية والفرنسية مباشرة على تجنيد وإيواء الإرهابيين قبل إيفادهم إلى سورية وبؤرة عرسال ومربعات طرابلس وعكار ومجموعة الأسير وجماعات الإرهاب المتعددة تنامت واتسعت في الحضن الحريري وهي جوفت المستقبل وقواعده في اكثر من منطقة لبنانية وهذا ما كشفته تحقيقات صحافية غربية ومحلية في السنوات الأربع الماضية .
يعرف الشيخ سعد كما يعرف العارفون انه استدار بطلب سعودي بناء على طلب اميركي إلى خطاب رفض الإرهاب في لبنان دون الكف عن تسمية الإرهابيين واللصوص والمرتزقة وقطاع الطرق وعملاء إسرائيل في سورية بالثوار وهم يشبهون جيش لحد العميل الذي أسسته الجبهة اللبنانية وساهمت فيه ميليشيات القوات اللبنانية التي كانت ذراع إسرائيل في العمق اللبناني خلال الحرب الأهلية حتى الطائف وحل الميليشيات بينما استمر مسخها اللحدي في الجنوب حتى تدميره وانهياره تحت ضربات مقاومي وأبطال حزب الله وكان الأولى بالشيخ سعد بدلا من الصراخ ضد سورية وحزب الله ان يطبق قاعدة من اثنيتن فإما المصارحة والاعتراف بالخطأ وممارسة النقد الذاتي امام الرأي العام على دوره في قيادة مرحلة ملؤها الفشل والرهانات المغلوطة او التصرف على طريقة : ” إذا ابتليتم “.