«الأسد هو الحل» بعد معركة الجنوب عامر نعيم الياس
فعلها المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا في ظروف تختلف عن السابق. فالكلام اليوم عن النظام السوري انتقل من مرحلة المطالبة بالتنحّي، إلى مرحلة «جنيف 1» وقبول التحاور مع النظام على ألّا يكون الأسد جزءاً من الحوار، إلى «قبول التعامل مع الأسد كجزء من الحل في سورية». تصريحٌ أرفق بتوضيح من جولييت توما الناطقة بِاسم دي ميستورا حين قالت: «ما أعلمه أن السلطات السورية يجب أن تكون جزءاً من الحلّ على المدى الطويل». وفي ذلك «إشارة إلى الرئيس الأسد كونه ممثلاً للسلطات السورية في ما يتعلق بإنهاء العنف»، بحسب «نيويورك تايمز» الأميركية.
الأسد جزء من الحلّ السياسي في سورية، «تصريحٌ يعتبر الأول من نوعه والذي يدلي به مبعوث أممي مسمياً الأسد صراحةً على أنه جزء من الحل السلمي»، بحسب «تلغراف» البريطانية، إشارةٌ لا ينفع معها تصريح وزير الخارجية النمسوي وامتعاض الولايات المتحدة وفرنسا، وحتى محاولة بعض النخب الغربية الاستمرار في شيطنة الأسد وإرسال توضيح هنا وتبرير هناك. فالأسد الأب أو الإبن لم ولن يكونا يوماً من «أصدقاء» الغرب أو «شركائه» أو «حلفائه» في المنطقة، يتعايشان ويتعاونان في بعض الملفات من أجل احتواء الملفات وتمرير ما يضمن مصالح الجميع في المنطقة لكن من دون أي شبهة تحالف من أي نوع كان. هو التقاء في توقيت معيّن وظروف معيّنة تفرضه الوقائع والتطورات على الأرض. وحول هذه النقطة بالتحديد يبرز دائماً المستوى البياني لعلاقات الدولة السورية مع الولايات المتحدة ومن ورائها أوروبا. ففي بداية صعود القوى البديلة يصبح النظام السوري منبوذاً، ولكن عندما تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، وتخالف ديناميات حراك القوى الصاعدة الخط الناظم للمصالح الأميركية، تعود الكفة وترجّح «الرجل القوي» بحسب «لوفيغارو» الفرنسية، و«أسد سورية المتحدّي» بحسب «لوس آنجلس تايمز» الأميركية. لكن متى يكون الأسد هو الحل، ومتى يتم الانخراط الفعلي في تنفيذ الحل؟
من المؤكد أن القاعدة القانونية الأممية للحل في سورية والخاصة بقرارت مجلس الأمن 2170 و2174 و2199 صارت جاهزة للتفعيل في أيّ لحظة يراد بها إغلاق جبهة الشمال في سورية. هنا تحضر تركيا أولاً باعتبارها الممر وقاعدة الدعم اللوجيستي لمعركتها الخاصة في شرق سورية، ومعركة الأطلسي في شمال سورية وتحديداً في مدينة حلب. كما أن «أولوية» الحرب الأميركية على «داعش» في المنطقة عموماً وفي سورية والعراق خصوصاً، تحجب ما دونها من ملفات طارئة على مستوى الحرب الأميركية بانتظار لحظة الانتقال من احتواء «داعش» في سورية إلى لحظة تدميره بشكل نهائي، من دون أن نغفل مسلّمةً تحكم العقل الاستراتيجي الأميركي في ما يخصّ عدم تحديد هدف أساس للحرب على ذلك الذي يهدّد الأمن الأميركي، والتي يراد منها إضافةً إلى تغطية الكمّ الهائل من الوحشية المستخدمة في الحروب الأميركية. التغطية على أي انقلاب في الموقف الأميركي سواء باتجاه تطوير الاستراتجية لجهة التصعيد، أو لجهة الانكفاء والبحث عن مخارج من الوضع القائم حالياً.
وفي هذا السياق تكتسب مقولة «عدو عدوي صديقي» التي نقلت الأسد من «شخص منبوذ إلى شخص يريد الغرب التعامل معه» بحسب المذيع الذي أجرى المقابلة مع الرئيس الأسد لمصلحة هيئة الإذاعة البريطانية، تكتسب أهمية تتجاوز كل الصراخ الأميركي الغربي في السنوات الأربع الماضية إلى مرحلة جديدة تلمّع صورة الدولة السورية ورئيسها تمهيداً للانخراط في حلٍّ لا تريده الإدارة الأميركية الآن، بل تعمل على تأجيله قدر الإمكان، وهو ما يؤكد على ضرورة الحسم الميداني على الجبهة الجنوبية لأهميتها الحاسمة في بلورة وقائع أهمها:
ـ سحب ورقة «التمرّد المعتدل» من يد الولايات المتحدة، إذ تركز معظم الدراسات الأميركية على ملف وجود التمثيل المؤثر «لمسلحي الاعتدال» المرتبطين بالولايات المتحدة في درعا والقنيطرة وبعض مناطق ريف دمشق.
ـ الأهمية الرمزية لدرعا كونها مهد العمل المنسّق لتدمير الدولة السورية منذ آذار عام 2011.
ـ الحدود الجنوبية في سورية تشكل منطقة عمليات العدو الصهيوني في البلاد، وبالتالي فإن تغيير قواعد اللعبة في ظل مأزق «إسرائيل» الاستراتيجي التي لم تجد بدّاً من الاستنجاد بقوات «الإندوف»، سيؤدّي إلى خضوع «تل أبيب» إلى شروط الأمر الواقع الجديد وانسحابها التدريجي من معادلة الرهان على تدمير الدولة السورية.
الأسد هو الحل، عبارة لن نسمعها لكنها ستحضر في لحظة تحرير جنوب سورية من جانب الجيش السوري وقوى المقاومة.
(البناء)