الغموض النووي الإسرائيلي ليس سراً لواشنطن حلمي موسى
في الوقت الذي تتصارع فيه الإدارة الأميركية مع الحكومة الإسرائيلية حول سبل التصدي للخطر النووي الإيراني، كشف النقاب في واشنطن عن مساعدة أميركا لإسرائيل في صنع القنبلة الهيدروجينية منذ العام 1987.
لكن الغريب أن معرفة الأميركيين، وتأكدهم من تطوير إسرائيل لأسلحة نووية، لم يحل دونهم ومواصلة انتهاك القانون الأميركي الذي يحظر تقديم المساعدات لدول تطور أسلحة نووية.
ونشر في واشنطن، أمس الأول، تقرير سري يعود إلى العام 1987، وخاص بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ويحمل اسم «تقييم التكنولوجيا الحساسة في إسرائيل ودول حلف الناتو»، ويحوي 386 صفحة.
ويشير التقرير بوضوح إلى أهم أسرار الذرة الإسرائيلية، وإلى حقيقة أن الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل في تطوير قنبلة هيدروجينية، وهو ما كان يخالف صراحة القوانين الدولية والأميركية. فمساعدة أميركا النووية لإسرائيل تنتهك القوانين الفيدرالية، التي تحظر تقديم أي مساعدة لدول أجنبية تطور أسلحة نووية. والأمر يتعلق أساساً بـ «أنظمة سيمنغتون» وأنظمة «غلين».
ويقول التقرير إن المنشآت النووية الإسرائيلية تشبه تلك التي ساعدت أميركا على تطوير سلاحها النووي، مثل المختبرات الأميركية في لوس ألموس وأوك ريدج. ويؤكد أن لدى إسرائيل تكنولوجيا تسمح لها بتطوير أسلحة نووية.
وبرغم أن كثيرين سيربطون بين توقيت نشر التقرير بالخلاف بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول خطاب الكونغرس، إلا أن نشره جاء بقرار محكمة. وكان باحث أميركي يدعى غرانت سميث، ويدير معهد أبحاث في واشنطن، يطالب البنتاغون بنشر هذا التقرير منذ 30 عاماً.
وكتب سميث على موقع «مناهضة الحرب»، أمس الأول، أن التقرير يؤكد أن الإسرائيليين «يطورون النوع ذاته من الكودات (codes) التي تمكنهم من صنع قنابل نووية. أي الكودات التي تفصل عمليات التحام وانصهار على مستوى ميكروسكوبي وماكروسكوبي».
ويعدد التقرير المنشآت النووية الإسرائيلية التي تعمل على شاكلة المواقع النووية الأميركية، وهي «المنشآت في سوريك وديمونا/ بئر السبع المناظرة لمنشآتنا في لوس ألموس، ولورانس ليفمور ومختبرات أوك ريدج الوطنية. ومركز سوريك يدير القدرة النووية الكاملة، من الهندسة إلى الإدارة والاختبار غير المدمر إلى الألكتروأوبتك، والطاقة النابضة، وعملية الهندسة والكيمياء والبحث النووي والسلامة. وهذه هي القاعدة التكنولوجية المطلوبة لتصميم الأسلحة النووية وصناعتها».
ويضيف سميث أن 100 نسخة من هذا التقرير طبعت، وربما وزعت، لكن أياً منها ربما لم يصل إلى مكتب الرئيس الأميركي، الذي كان سيمنع تحويل ما لا يقل عن 82 مليار دولار من المساعدات الرسمية لإسرائيل منذ ذلك العام. تجدر الإشارة إلى أن معرفة واشنطن بما يجري في مفاعل «سوريك» لم يحل دون استمرارها في تقديم العون لهذا المفاعل، على اعتبار أنه مدني، فيما تعرف أنه يجرى فيه تطويرات عسكرية مهمة.
ويعزز إصرار وزارة الدفاع الأميركية على منع نشر التقرير النظرية التي تقول إن سياسة الغموض النووي الإسرائيلي هي في الأساس محصلة توافق بين واشنطن وتل أبيب، وتعبيراً عن مصلحة مشتركة بينهما. فأميركا المعنية بتعزيز قوة إسرائيل كأداة ضاربة لها في الشرق الأوسط، لم تكن معنية البتة بانتهاء الغموض النووي الإسرائيلي، حتى لا تضطر لقطع المعونات العسكرية والمدنية لها. فالقانون الأميركي كان يحظر تقديم الدعم لدول تقوم بتطوير أسلحة نووية. وكانت أميركا هي الدولة التي غطت على مدى العقود السابقة على امتلاك إسرائيل أسلحة دمار شامل من كل الأنواع، وحالت دون مناقشة ذلك في المحافل الدولية.
وفي كل حال فإن إسرائيل تملك، وفق تقارير مختلفة، ترسانة فتاكة من الأسلحة النووية المختلفة، والتي تجعل منها قوة عالمية على هذا الصعيد. لكن الغموض النووي خدم إسرائيل، خصوصاً في الدول العربية التي بالغ البعض في عديد مخزونها من الأسلحة النووية، حيث تحدث عن بضع مئات. لكن خبيرين أميركيين نشرا، في تشرين الثاني الماضي، بحثاً علمياً يظهر أن معظم التقديرات بشأن حجم السلاح النووي الإسرائيلي خاطئة ومضخمة.
وأكد الخبيران هانس مريستيان وروبرت نوريس أن إسرائيل تمتلك ترسانة أصغر بكثير مما يقال، وهي تملك أسلحة دمار شامل، لكنها لا تملك صواريخ نووية تكتيكية. وبحسب هذه الدراسة فإنه وفق نظرية الحرب الإسرائيلية لا حاجة للسلاح النووي إلا للردع، ولذلك فإن إسرائيل تملك كمية من القنابل الكبيرة لا يزيد عددها عن 80 قنبلة، برغم أن إنتاجها المقدر من البلوتونيوم يكفي لصنع 250 قنبلة، فإسرائيل من أجل الردع لا تحتاج إلى قنابل تكتيكية، وإنما تريد قنابل للتدمير الشامل أو للضربة الثانية.
وخلص الباحثان إلى أن الأسلحة النووية الإسرائيلية ليست معدة للقتال ميدانياً، وهما «لا يستطيعان فهم كيف أن دولة لا تملك إستراتيجية منظمة للقتال النووي تحتاج إلى أنواع كثيرة من الرؤوس الحربية النووية».
(السفير)