جريمة واسمها اللاصهيونية : جدعون ليفي
في مكان ما بين الاعتداء جنسيا على الاطفال وبين القتل، المكان الاشد خطرا من السرقة وربما من الإغتصاب: تقع «اللا صهيونية». إنها جريمة مرتبطة بالابادة ولا يشملها العفو او الغفران او تدخل في نطاق العقوبة المخففة. كتاب الجرائم في اسرائيل لم يعرف هذه الجريمة ـ لا أحد يعلم بالضبط من هو «اللا صهيوني» وما هي «اللا صهيونية» – ولكن من يشتبه على انه كذلك، فحكمه واحد. على سبيل المثال: عضو في لجنة حكام جائزة اسرائيل، والمشتبه بكونه قد ارتكب هذه الجريمة الخطيرة (تحت بند الجنايات)، مُنع من اصدار الاحكام.
هذه النغمة ليست جديدة: هكذا تم التعامل مع من اتهموا بأنهم أعداء الشيوعية في الانظمة الشيوعية، وهكذا تم التعامل مع من اشتبهوا بأنهم شيوعيون في الولايات المتحدة في احدى المراحل الاكثر ظلاما في تاريخها. هنا يتم العقاب على التطلعات، بالطرد على خلفية التعبير عن الرأي، بحظر الفنون والأفكار التي لا تستطيع الدول احتمالها.
الذرائع على انعدام التسامح تتكرر باستمرار: تطلعات هذه الأقليات تحفر تحت أساسات النظام ولذلك هي ممنوعة، في الشيوعية وكذلك في الصهيونية، الاساليب متشابهة: الادانة، الرفض، العزل، التحقير وفي مرحلة معينة (لم تصلها اسرائيل بعد) ارسال من يفكرون بشكل مختلف للعلاج او للسجن. لحرية التعبير في اسرائيل يوجد حد ـ انه الصهيونية. من يجتاز هذا الحد يفقد شرعية وجوده، باستثناء المتدينين المتشددين «الحراديم». هؤلاء ينطبق عليهم شرط «الظروف المخففة» لارتكاب الجريمة.
في اسرائيل المعاصرة حيث «اليساري» هي لعنة، والأشد سوءا من ضمن كافة اللعنات، «اللا صهيوني» الذي يعيش ويموت خارج الحد. لكن المشكلة لا تكمن فقط في انعدام وجود من يعرف ما هي الصهيونية في ايامنا هذه، بل كون مقولة اللا صهيوني رديفة لمقولة خيانة. المستوطن سارق الاراضي وحارق الحقول بالتأكيد صهيوني، حتى انه من أفضل نوع. لا يبطل ذلك لو أنه ارتكب اشد المعاصي ويدعو إلى رفض الخدمة في المناطق ـ فهو صهيوني. حنين زعبي خائنة، لانها لا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية، اما اليمينين الذين لا يعترفون بإسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية فهم صهاينة، وبالتالي شرعيون. الاسرائيليون الرافضون لأن يكونوا جزءا من هذه الصهيونة، ولديهم ما يكفي من الشجاعة كي يعرفوا انفسهم على أنهم «لا صهاينة» يجري اعتبارهم على أنهم كفار، مع كافة ما يترتب على ذلك. توجد قرون على رؤوسهم. ذلك لتجرؤهم على القول لا لهذه الصهيونية، للتفكير بانها عصبية قومية وكذلك عنصرية، بأنها سارقة، محتلة وتتجه نحو الابارتهايد- على الرغم من ادعائها بلا اخلاقية الابارتهايد، ويدعون بمنع التعامل بها.
غسيل الادمغة وصل حداً بموجبه كل من يصاب بهذا المرض، لا يعتبر بأنه معارض لوجود الدولة فحسب، بل باعتباره داعية لابادتها. الابادة موجودة في دمائنا ودائما ما تبرز باعتبارها الخيار المهدد الأول الصادر عن كل من ينتقد الدولة، وكأن نصف العالم مشغول فقط في إبادة إسرائيل. لذلك هو لا صهيوني كونه يتطلع إلى ارسال اليهود إلى أفران الغاز او إلى البحر، أو على الأقل لإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية.
لكن النظام الحاكم ليس هو الدولة ويمكن أن تكون مناهضا للصهيونية دون أن تكون داعية للمحارق. دولة إسرائيل هي حقيقة واقعة، لم يتبق سوى القليل في العالم ممن يشككون في استمرار وجودها، وبالتأكيد أقل بكثير من المحاولات التي تعمل دعايتها التخوفية على نشرها. النضال الان يدور على طابعها وفي الاساس على طبيعة نظامها.
الصهاينة يجرى اعتبارهم في الخارج كدعاة احتلال، ناشبي حروب، داعمي الحكومة ومبرري أفعالها. لذلك من السهل هناك أن يكون المرء مناهضا للصهيونية، وتقريبا يتوجب على كل صاحب ضمير ان يكون كذلك، في اسرائيل الصورة أقل وضوحا: الصهيوني هو المستوطن او أزعر الحواجز.
حتى أولئك الذين اصابهم اليأس من حل الدولتين، من يعتقدون أن اسرائيل الصهيونية تبذل كل جهودها لإفشاله، ومن يفكرون بضرورة التركز في صيغة حل الدولة الواحدة ـ لا يمكن أن يحاكموا على مقياس الصهيونية. يجب ترك الصهيونية لكتب التاريخ. هنا يوجد دولة، وهي ستبقى هنا، والان يجب أن يدور النضال حول عدالتها، وليس على صهيونيتها.
هآرتس