36 عاما من التحالف السوري الإيراني
غالب قنديل
لم تشهد المنطقة وربما العالم كذلك تحالفا بثبات العلاقة السورية الإيرانية وبقدرتها على التطور والتحرك في ظروف عاصفة ومتغيرة على الرغم من الاختلافات والتمايزات الإيديولوجية والسياسية .
اولا إن الاحتفال بالعيد السادس والثلاثين لانتصار الثورة الإيرانية هو بالقدر نفسه احتفال بمرور ستة وثلاثين عاما على قيام تحالف دمشق – طهران الذي تحول إلى محور إقليمي صانع للتوازنات الإقليمية والدولية وتأكدت متانته وصلابته في جميع الظروف فقد توثقت العلاقات السورية الإيرانية فور انتصار الثورة وإعلان الجمهورية على أنقاض نظام الشاه أحد ألد أعداء سورية والحليف الموثوق لإسرائيل .
تطورت العلاقات السورية الإيرانية بسرعة على جميع المستويات لتصبح حلفا استراتيجيا وطيدا منذ الثمانينات وإذا كانت الأجيال الشابة من العرب والإيرانيين تعايش اليوم دعما إيرانيا واسعا للدولة الوطنية السورية في كفاحها ضد العدوان الاستعماري الصهيوني وضد الحصار والعقوبات وضد عصابات الإرهاب المدعومة من الحلف الاستعماري الغربي التركي الخليجي بقيادة الولايات المتحدة إلا أن أجيالا أخرى عاصرت قبل أكثر من ثلاثين عاما وقوف سورية بثبات وصلابة إلى جانب إيران ضد العدوان الاستعماري الخليجي الأطلسي الذي شنه نظام الرئيس السابق صدام حسين وعلى امتداد ما تسميه الأدبيات الإيرانية بالحرب الظالمة التي دامت ثماني سنوات كانت فيها الشراكة السورية الإيرانية من دعائم الصمود الإيراني ومن أبعاده المكونة اقتصاديا وسياسيا وحيث تولت هذه الشراكة توفير أرضية مناسبة لانبثاق القوى الجديدة التي كسرت ظهر الحلف الاستعماري الصهيوني في المنطقة وهي حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية .
ثانيا القيادة السورية التي تعتنق العروبة التحررية تلاقت في مناهضة الاستعمار والصهيونية وفقا لرؤية الرئيس الراحل حافظ الأسد مع الهوية الإسلامية التحررية للجمهورية الفتية التي أقامتها الثورة بقيادة الإمام الخميني ولذلك استمر التنوع العقائدي في قلب هذا التحالف واغتنى وتجذر المضمون التحرري التقدمي وطنيا واجتماعيا على كلي الطرفين في العلاقة وهو البعد الجوهري والأصيل في هذا اللقاء .
ما استمر وتجدد في الشراكة السورية الإيرانية هو اعتبار التناقض الرئيسي في المنطقة صراع الشعوب ضد منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وضد عملائها من القوى والحكومات الرجعية وهكذا تم تحويل التنوع العقائدي على قاعدة الاحترام المتبادل للخصوصيات إلى علامة غنى فكري وثقافي لحركة التحرر في الشرق وكلاهما أي سورية وإيران خاضا معارك سياسية وعقائدية ضد القوى الرجعية التي ترفع بافطات عقائدية مشابهة فكان الفرز في الخيارات الكفاحية هو الأعمق والأشد دلالة على الموقع الفعلي لأي جهة من حركة الصراع في الميدان ضد الصهيونية والاستعمار والرجعية وليس الراية العقائدية وفي الواقع يدلل تاريخ الشرق الحديث على ان الهويتين المعنيتين أي الإسلام والعروبة تواجهان حاجة ملحة إلى تجديد مضمون البرامج والمشاريع ولغة الخطاب بعيدا عن التعليب الإيديولوجي والديماغوجيا الشعاراتية الخاوية.
ثالثا اليوم يقف محور المقاومة الذي تشكل حول نواته السورية الإيرانية قوة فاعلة وحاسمة في معادلات المنطقة والعالم وهو يشهد على أرض سورية تجربة تاريخية في تكامل القدرات وإعادة صياغة المعادلات الكبرى وهي تجربة تتعزز بنسق من التحالفات الدولية المهمة العابرة للحدود القارية اقتصاديا واستراتيجيا.
إن مسار تكامل القدرات الاقتصادية والاستراتيجية واندماج الخبرات والإمكانات العسكرية بين سورية وإيران وحزب الله والفصائل الوطنية الفلسطينية يمثل مخاضا لقوة مشرقية حاسمة في الصراع ضد الصهيونية والاستعمار وفي مجابهة المعسكر الرجعي العربي الذي يمثل دعامة الهيمنة وأداتها العميلة في جميع الميادين .
نادرا ما حافظ تحالف سياسي بين دولتين إقليميتين مهمتين على متانته في ظل تباينات مرحلية ظهرت غير مرة على صعيد الحسابات والخيارات السياسية وهو ما اجتازته صيغة التحالف السورية الإيرانية في مرحلة مفاوضات مدريد وفي التعامل مع مرحلة ما بعد احتلال العراق وفي حدود معينة مع بداية العدوان على سورية او ما سمي بالأحداث السورية وما يمكن استنتاجه هو أن أصالة التحالف وجذرية العلاقة الاستراتيجية تكفلتا على الدوام بتحقيق التلاقي الأشد متانة وبتأصيل الشراكة وبالتعامل مع الاختلافات بحفظ التنوع وباحترام الخصوصية وبثقافة الثقة في الالتزام المبدئي والأخلاقي لكل من القيادتين الحليفتين على خلفية أصالة الحلف الاستراتيجي التحرري والاستقلالي ووحدة الانتماء إلى خيار المقاومة ضد الاستعمار والصهيونية .
سورية العربية المقاومة وإيران الإسلامية التحررية قادتا معا مرحلة مجيدة من تاريخ المنطقة وكفاح شعوبها وهما تتحفزان اليوم ومن جبهة الجولان ومن نهوض سورية لكتابة صفحة تاريخية مشرقة تجسد حقيقة التحالف التقدمي والتحرري للبلدين .