أوباما يراقب نتنياهو في جنوب سورية عامر نعيم الياس
بدأ الجيش العربي السوري والقوات الحليفة له معركة جنوب سورية، التي يبدو أنها لن تتوقف حتى تحرير كامل الجنوب السوري مع ما يعنيه ذلك من انقلاب في المعادلات الميدانية، يستتبعه السياسي بجميع الأحوال. العملية التي أتت على خلفية تحوّل الجنوب السوري إلى مسرح للتدخل «الإسرائيلي» ـ الأردني المباشر، سبقتها مؤشرات سياسية وإعلامية تؤشر إلى حجم المعركة والرهان الجوهري عليها من جانب محور المقاومة في المنطقة. فتصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلّم جاءت أكثر مباشرةً تجاه الأردن من تصريحات سابقة له. وقد وصلت إلى حدٍّ دفع صحيفة «لوس آنجلس تايمز» الأميركية إلى توصيفها بأنها «توبيخٌ لاذعٌ للأردن». كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي بثّت تسجيلاً مصوّراً للواء رستم غزالي يتحدث فيه باستفاضة عن الدور الأردني في جنوب سورية و«غرفة عمليات الموك»، والتعاون الأمني الوثيق بين تل أبيب والأردن وواشنطن في ما يخصّ الجنوب السوري، ومحاولة السيطرة على أوتوستراد دمشق ـ درعا الدولي، وإقامة شريط عازل على بوابة العاصمة دمشق، هذا فضلاً عن كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عن «جيش لحد إسلامي» في المنطقة الفاصلة على الحدود بين القنيطرة والجولان السوري المحتل.
إذاً، بدأت العملية العسكرية الواسعة التي تواكَب إعلامياً من جانب المحور المقاوم بطريقة تشابه إلى حدٍّ ما ما جرى في القصير والقلمون. عاملٌ يشير هو الآخر إلى حجم الرهان على العملية الذي يبدو أنه يحاول نقل تجربة القصير والقلمون إلى جنوب سورية. وسط صمتٍ أميركي مريب، فهل يكون عام 2015 عام تحرير جنوب سورية كاملاً؟
الإشارة إلى الصمت الأميركي حول التطورات الأخيرة في جنوب سورية، وإن كان لا يعفي واشنطن من دورها القذر في سورية وغرف العمليات المنتشرة على الحدود السورية مع دول الجوار ومنها تلك التي تنشط على الحدود السورية الأردنية سواء لجهة خلق المنطقة العازلة في جنوب سورية، أو لجهة الرهان على تدريب «معتدلي واشنطن» والزجّ بهم هناك. إلا أن الموقف الأميركي ومن زاوية ردّ الفعل، يستحق التوقف عنده باعتباره استثماراً سياسياً ناجحاً لمحور المقاومة في توقيت إطلاق الهجوم المضادّ في جنوب سورية. وبهذا المعنى تحضر الخلافات بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس أوباما لتلقي بظلالها على مشهد العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» الحالي. فالتطورات الأخيرة الخاصة بخطاب نتنياهو في الكونغرس أوائل الشهر المقبل، لا تزال تتفاعل وكان آخرها ما قالته رئيسة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، حول عدم حضور غالبية النواب الديمقراطيين خطاب نتنياهو. وهو أمر ينذر بتحوّل في منظومة العلاقة التي تربط النخب السياسية في الولايات المتحدة و«إسرائيل»، إذ نرى نتنياهو اليوم محسوباً على الغالبية الجمهورية في الكونغرس، وهذا خطأ مدمّر يؤشر إلى استمرار المناكفات بين إدارة أوباما ونتنياهو في المدى المنظور، وفي أكثر من جبهة وبأكثر من طريقة. هنا لا بدّ من ذكر ما جرى من ردٍّ لحزب الله على عملية القنيطرة والتي أتت في لحظةِ قبول أميركي ضمني بمبدأ الرد المحدود، أي «ضربة بضربة» مع الحرص على عدم التصعيد. وبهذا المعنى قبلت إدارة أوباما توجيه صفعة لنتنياهو أظهرت حماقة توجّهاته، من دون أن يُمَسّ بالخطوط الحمراء الأميركية الخاصة بأمن «إسرائيل». فهل ينطبق ما سبق على العملية العسكرية في جنوب سورية؟
في ضوء توازن ردع جديد أرساه حزب الله ومن ورائه إيران في سورية، بدايةً بخطاب أمين عام حزب الله الأخير، والذي أنهى معادلات الردع السابقة مع «إسرائيل» والسائدة منذ تفاهم نيسان 1996، مروراً بما قاله قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري عن سماح الإمام الخامنئي «لمجموعات محددة» من الشباب الإيرانيين بالتوجّه إلى سورية، وليس انتهاءً بموقف الدولة السورية من الأردن والكيان الصهيوني في ما يخصّ جنوب سورية تحديداً، يمكن القول إن المحور المقاوم قرّر خوض معركة جنوب سورية واضعاً في حساباته كل السيناريوات الممكنة، بما فيها التدخل «الإسرائيلي» على خطّ المعارك، وحتى التدخل الأردني. لكن في ضوء موقفٍ أميركي لا يريد التصعيد، ويكتفي بمراقبة ردّ فعل نتنياهو الذي وضعته حماقة منطقته العازلة في مواجهة مأزق استراتيجي.
(البناء)