أبعاد معركة الجنوب السوري
غالب قنديل
المبادرة السريعة والتخطيط المتقن والقدرات العسكرية العالية والمتقدمة ميزات يتكرر الحديث عنها في توصيف عمليات الجيش العربي السوري الهجومية التي تلاحقت في العديد من المحافظات وحققت اندفاعات كبيرة واسترجعت السيطرة في العديد من المناطق التي تقهقرت فيها الجماعات المسلحة وعصابات الإرهاب عن مساحات شاسعة وسط احتضان شعبي متزايد للقوات العربية السورية مما يبشر بطبيعة التغييرات المقبلة لمصلحة الدولة الوطنية وقواتها المسلحة الشعبية والنظامية.
أولا خلال الأسابيع القليلة الماضية تحققت إنجازات مهمة في دير الزور والحسكة وفي ريف دمشق وتترسخ إنجازات مهمة حققها الجيش في حلب لكن معركة الجبهة الجنوبية التي انطلقت قبل أيام كانت مفاجئة وهي تمثل خطوة هجومية استراتيجية في حركة الميدان تنطوي على مجموعة من الأبعاد والنتائج التي سيكون لها تأثير كبير في معادلات القوة وفي مستقبل التطورات السورية .
في الجبهة الجنوبية يتحرك حلف العدوان بدور رئيسي لكل من الكيان الصهيوني والنظام الأردني وبتمويل سعودي قطري تحت القيادة الأميركية الأطلسية تجري منذ اكثر من ثلاث سنوات عمليات تجميع وتدريب للإرهابيين والمرتزقة وتحظى برعاية خاصة منظمة القاعدة بفرعها السوري الرسمي أي جبهة النصرة التي أقامت لها مراكز وقواعد في الأراضي الأردنية بينما حظيت بتسهيلات العبور تحت الحماية الأردنية الإسرائيلية عبر الحدود وخصوصا في الممر المتمثل بمنطقة الفصل السابقة في الجولان وحيث اعتبرت مناطق تواجد المسلحين من جبهة النصرة وشركاها نواة الشريط الحدودي العميل الذي تسعى إسرائيل لإقامته بالشراكة مع النظام الأردني الذي تردد انه قد يختبر محاولة جدية لإقامة منطقة عازلة حدودية لتحقيق ما لم تفلح تركيا في إنجازه شمالا .
ثانيا الاندفاعة الواسعة والسريعة التي قامت بها القوات العربية السورية في الجبهة الجنوبية انجزت حتى اليوم عملية تقطيع اوصال لتجمعات العصابات الإرهابية وهي بمثابة كسر للجسور التي راهن عليها المخططون الإسرائيليون لاختراق ريف دمشق انطلاقا من مناطق سيطرة العصابات العميلة في درعا والقنيطرة ويبدو حتى الساعة ان إنجازات الجيش السوري تؤسس لقلب المعادلات في الأرياف الثلاثة المستهدفة أي درعا والقنيطرة ودمشق وهي لذلك تحقق ثلاثة اهداف دفعة واحدة :
الهدف الأول تحصين عمليات الجيش في ريف دمشق وقطع خطوط الإمداد المحتملة من جهتي الحدود الأردنية والجولان المحتل بينما تواصل القوات السورية عملياتها في الغوطة وتستهدف في السياق دوما المعقل الأبرز للجماعات الإرهابية في ريف دمشق .
الهدف الثاني تدمير مرتكزات خطة الحزام العميل والشروع بتصفية عصابات الإرهاب أي ردع المخطط الإسرائيلي ووضع الكيان الصهيوني مجددا امام اختبار دقيق بعدما تكفلت قيادة حزب الله وباسم محورالمقاومة مجتمعا بتأسيس قواعد اشتباك جديدة تقوم على وحدة الساحات والميادين ووحدة قدرات الردع والدفاع وسير عمليات الجبهة الجنوبية بذاته يحمل هذه الحقيقة في مجراه وفي تكوين القوى والكتل والهياكل القيادية المشاركة في العمليات وهذا ما يفسر الإرباك الصهيوني الشديد الذي توج بطلب عودة قوات الأندوف بتصريح رسمي لسفير إسرائيل في نيويورك وكأنما باشرت تل أبيب تتهيأ للنتيجة المحتومة وهي سقوط مشروع الحزام العميل في حين لم تنجز المهمة بعد بالنسبة لمحور المقاومة.
الهدف الثالث هو الردع الاستباقي لما يخطط على الجانب الأردني من الحدود بتقويض سيطرة الإرهابيين والمرتزقة الذين ساهمت المخابرات الأردنية في محاولات تجميعهم وإعادة تنظيمهم مؤخرا وحيث لاحت مؤشرات عديدة على وجود خطة للتحرك الأردني على الرغم من التحذيرات السورية المباشرة عن استعداد الدولة الوطنية وقواتها المسلحة لردع أي اعتداء على السيادة السورية أيا كان مصدره .
ثالثا مبادرة محور المقاومة الهجومية التي يقودها الجيش العربي السوري تأتي في مناخ التحولات النوعية التي طرأت على التوازنات :
1- تثبيت المقاومة لتوازن الردع بعد عملية مزارع شبعا وحيث باتت إسرائيل مكرهة على التحسب لتلقي ردود رادعة وعلى حافة الحرب الكبرى ومن جميع الجبهات ومن أي منها أيا كان الموقع الذي تستهدفه إسرائيل سوريا ام لبنانيا ام إيرانيا أم فلسطينيا وهذا الأمر قدم فرصة مهمة لإطلاق عمل هجومي واسع يكسر خطة الحزام العميل في الجولان .
2- انكشاف العصابات الإرهابية في مناطق سيطرتها كقوة غاشمة عميلة لإسرائيل مما عزز نزعة العودة إلى حضن الدولة الوطنية وجعل المطالبة بالجيش و مناشدة وحداته للتقدم إلى البلدات والقرى والعودة إلى آليات المصالحة المحلية وإلقاء السلاح تجتاح المناطق الجنوبية عموما .
3- انتشار ظاهرة المقاومة الشعبية في المناطق السورية وخصوصا في الجنوب في تعبير عن تحول الموقف الشعبي وانتقاله إلى التصدي لسلطة العصابات الإرهابيةحيث تشهد المحافظات السورية تسابقا واضحا في هذا المجال من دير الزور إلى الرقة والحسكة وحلب ودرعا والقنيطرة وسواها.
أيا كان مسار العمليات المقبلة للجيش العربي السوري ومحور المقاومة فالأكيد ان ماقبل عمليات الجبهة الجنوبية غير ما بعدها حيث تتشكل توازنات ميدانية جديدة تؤسس لاقتراب الفصل الأهم من مسيرة تحرير سورية ونهوضها .